الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

ثم أخبر عن إباحة السلم بعد تحريم الربا بالفضل والكرم بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ } [البقرة: 282]، والإشارة فيها: أن الله عز وجل من كمال رأفته ورحمته على عباده علمهم كيفية معاملاتهم فيما بينهم، والأخذ بالاحتياط والاستظهار؛ لئلا يجري من بعضهم على بعض حيف؛ ولئلا يتخاصموا ويتنازعوا فيحقد بعضهم على بعض، فأمر بتحصين الحقوق بالكتابة والإشهاد، وأمر الشهود بالتحمل ثم بالإقامة، وأمر الكاتب أن يكتب علمه الله بالعدل ورعى في ذلك دقائق كثيرة كما ذكرها، فيشير بهذه المعاني إلى ثلاثة أحوال:

أولها: حال الله مع عباده، فيظهر آثار ألطافه معهم وغاية عنايته في حقهم أنه تبارك وتعالى كيف يرفق بهم ويعلمهم كيفية معاملاتهم الدنيوية، حتى لا يكونوا في خسران من أمر دنياهم، ولا يكون فيها بينهم عداوة وحقد وخصومة تودي إلى تنقيص عينهم في الدنيا، ووبال عقوبة في الآخرة، فيستدلوا بها أن تكاليف الشرع التي أمروا بها أيضاً من كمال عاطفته ورحمته واستعملهم بها؛ ليفيض عليهم سجال نعمه ويسبغ عليهم ظلال كرمه، كقوله:مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 6].

وثانيها: حال العباد مع الله تعالى؛ ليعلموا هذه الدقائق للأمور الدنيوية الفانية فيما بينهم أن للأمور الدنيوية الفانية فيما بينهم، إن للأمور الأخروية الباقية فيما بينهم، وبين الله تعالى أيضاً دقائق أكثر منها وأدق، والعباد بها محاسبون وعلى مثقال ذرة من خير مثابون، وعلى مثقال ذرة من شرها معاقبون، وأنها بالرعاية أحرى وأولى، وأخروي من أمور الدنيا، وأن الله تعالى كما أمر العباد أن يكتبوا كتاب المبايعة فيما بينهم ويستشهدوا عليهم العدول، كذلك كتب كتاب مبايعة جرت بينه وبين عباده في الميثاق،إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } [التوبة: 111]، وعلى هذا عاهدهم وأشهد الملائكة الكرام عليه، ثم رقم في الكتاب أن ياقوتة من الجنة وديعة وهي الحجر الأسود.

ثم قال تعالى:وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ } [التوبة: 111]، واليوم أنتم مطالبون بالثمن، فإن تسلموا إليه بالتمام فقد سلم إليكم المبيع، وإن حوسبتم غداً وبقي عليكم مثقال ذرة من الثمن، فتحبسون في سجن السجين حتى تخرجوا من عهدته، وإن الله تعالى أمركم أن { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ } [البقرة: 282]، أن تكتبوا معاملاتكم الصغيرة والكبيرة، ثم عند خروجكم من الدنيا يجعلونه في أعناقكم، فتبعثون يوم القيامة،وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [الإسراء: 13]، ثم نودي من سرادقات الجلال: يا قوي الظلم ضعيف الحال، إقرأ كتابك

السابقالتالي
2 3 4 5