الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

فلما أخبر عن أهل الإيمان الحقيقي ومعاملاتهم، أخبر عن أهل الإيمان المجازي وامتحانهم بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [البقرة: 278]، والإشارة فيها: أن من شروط المؤمن الحقيقي اتقاؤه بالله في ترك زيادات لا يحتاج إليها في أمر الدين، بل تكون شاغلة له عن الترقي في مراتب الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".

فقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 278]؛ أي: الذي يدعون الإيمان { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [البقرة: 278]؛ أي: اتقوا الله، وهذا كما جاء لنا إذا حمي البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: جعلناه قدامنا، { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ } [البقرة: 278]، إشارة إلى ترك ما سوى الله في طلبه، كما قال الله تعالى:ثُمَّ ذَرْهُمْ } [الأنعام: 91]، { إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [البقرة: 278]، بإيمان حقيقي، وتوقنون بأن الله خلقكم لنفسه، كما قال:وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } [طه: 41]، وما خلقكم لشيء وخلق كل شيء لكم، لقوله تعالى:خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [البقرة: 29].

{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } [البقرة: 279]؛ أي: إن لم تزكوا كل زيادة تمنعكم من الله، ولم تتقوا عنها بالله { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279]، في طلب غير الله { وَإِنْ تُبْتُمْ } [البقرة: 279]؛ أي: رجعتم إلى الله وتركتم غيره { فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ } [البقرة: 279]، وهي الكرامة التي أكرمكم بها على العالمين قبل وجودكم، كما قال:وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } [الإسراء: 70]، وأعطاكم رأس مال ما أعطي لأحد من خلقه ولا الملائكة المقربين، وهو قوله تعالى:يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54]، فإذا تقربتم إليه بترك ما سواه، يتقرب إليكم برد رؤوس أموالكم الأصلية إليكم وهي المحبة، كقوله تعالى: " لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " ، قوله تعالى: { لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } [البقرة: 279]؛ يعني: خلقتكم لتحبوني وأحبكم، فإذاً لا تظلمون بوضع محبتي في غير موضعها من المخلوقات، ولا تظلمون بوضع محبتكم في غير موضعها، فافهم جدّاً.

{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } [البقرة: 280]؛ يعني: وإن كان في وصول ما عدا الله لكم عاجلاً عسرة { فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } [البقرة: 280]؛ أي: معدة لكم إلى أوان الميسر يصل إليكم آجلاً، كما قال تعالى:سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } [الطلاق: 7]، وقال تعالى:فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 5]، { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة: 280]؛ يعني: ما تتمنون من أنواع برنا في الدنيا والعقبى على قدر همتكم الإنسانية، فإن تصدقوا بها ببذلها فهو خير لكم، لأنَّا نجازيكم على قدر مواهبنا الربانية، إن كنتم تعلمون قدرها وتتقون بنا، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3