الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

{ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } [البقرة: 274]، فإذا نفذ المال لم يفتروا عن شهوده لحظة ليلاً ونهاراً، بليَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام: 52]، { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } [البقرة: 274]؛ يعني: في مقام العنديةعِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 55]، { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [البقرة: 274]، من عذاب القطيعة؛ لأنهم قد استمسكوا بالفقر والمحبة؛ وهي العروة الوثقى،لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } [البقرة: 256]، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 274]، عاجلاً وآجلاً:

فأما عاجلاً: فلا يحزنون على ما يفوتهم من الدنيا، فإنهم تركوها بطيب قلوبهم في الله، وهو لهم خلف عن كل تلف من كان الله له، وأما آجلاً: كما قال تعالى:لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } [الأنبياء: 13]، وقال صلى الله عليه وسلم: " كأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، إن ربنا لغفور شكور ".

ثم أخبر عن حرص أهل الدنيا وهم: أكلة الربا، بعد ما ذكر قناعة أهل الآخرة وشكر المولى بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } [البقرة: 275]، الإشارة فيهما: أن آكل الربا يحرص على الدنيا، مثله كمثل من به جوع الكلب فيأكل ولا يشبع، حتى ينتفخ بطنه ويثقل عليه فلا يقدر عليه أن يقوم، { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } [البقرة: 275]؛ يعني: إلا كما يقوم المصروع، وكلما يقوم يصرعه نقل بطنه، وهذا كمثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للحريص، لقوله: " إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطاً، أَوْ يُلِمُّ إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضِرِ تَأْكُلُ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ " ، حديث متفق على صحته، وفيه مثلان:

ضرب أحدهما: للحريص المفرط في جميع الدنيا ومنعها من حقها، والآخر: ضرب للمقصد في أخذها والانتفاع بها، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " ينبت الربيع وما يقتل حبطاً " ، فهو مثل للحريص الذي يأخذها بغير حق، وذلك أن الربيع ينبت أنواع العشب فيستكثر منها الماشية حتى ينتفخ منها بطونها، كما قد جاوزنا حد الاحتمال فيشق أمعاؤها فيهلك، كذلك الحريص الذي يجمع الدنيا من حلها ويمنع ذا الحق حقه، فينتفخ بطنه يوم القيامة وهو آكل الربا، فلا يقوم ويكون عاقبته النار، وأما مثل المقصد قوله: صلى الله عليه وسلم " إلا أكلة الخضرة " ، وذلك أن الخضرة ليست من إضراب البقول التي ينبتها الربيع فيستكثر منها الماشية، ولكنها من كلأ الصيف التي ترعها المواشي بعد هيج العقول شيئاً فشيئاً من غير استكثار، فضرب مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا ولا يحمله الحرص المفرط على أخذها بغير حقها، وإن كان له حرص مثلاً من الطلب والجمع، ولكن لما كان بأمر الشرع وطريقه ولا يمنع ذا الحق حقه ما أضر به كما أضر بأكل الربا، كقوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ } [البقرة: 275]؛ يعني: في طلب الربح والزيادة.

السابقالتالي
2