الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

ثم شرح أحوال العباد في نياتهم بالصدقات بقوله تعالى: { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } [البقرة: 271]، وإخفاء الصدقة أشار به إلى تخليصها من شوب الحظوظ، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: " سبعة يظلهم الله في ظله " ، وقال صلى الله عليه وسلم: " رجل تصدق بيمينه فأخفى حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه إلى إخفاء الصدقة عن شماله " ؛ يعني: يخفيها عن حظوظ نفسه فتكون خالصة لله تعالى، فصاحبها يكون في ظل الله، وكما قال صلى الله عليه وسلم: " إن المرء يكون في ظل صدقته يوم القيامة " ؛ يعني: إن كانت صدقته الله تعالى فيكون في ظل الله، وإن كانت صدقته للجنة فيكون في ظل الجنة، وإن كانت صدقته للهوى فيكون في ظل الهاوية، فافهم جدّاً.

فلما علموا إخفاء الصدقات فأدوها أن تكون مشوبة بحظ الثواب، فقال تعالى: { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ } [البقرة: 271]، نظروها لطمع ثواب الجنة { فَنِعِمَّا هِيَ } [البقرة: 271]، فإنها مرتبة الأبرار،إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } [الانفطار: 13] { وَإِن تُخْفُوهَا } [البقرة: 271]، عن كل حظ ونصيب، { وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ } [البقرة: 271]؛ أي: تعطوها لوجه الله تعالى إلى الفقراء لا حظ النفس، { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [البقرة: 271]؛ يعني: كما زدتم على الصدقة بالإخفاء عن الحظوظ، وهي أن يكون في ظل الله وهو مقام المقربين، لقوله تعالى:لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26] الحسنى؛ أي: جزاء أهل الحسنات، فأما من أحسن الحسنة فهو الذي يكون مقامه مقام الإحسان، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه؛ يعني: نظرك في الطاعة لا يكون إلا الى الله، فيكون جزاؤه بعد الجنة الزيادة، وهي لقاء الله عز وجل { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } [البقرة: 271]، كل طائفة من الأبرار والمقربين، { خَبِيرٌ } [البقرة: 271]، فيجازيكم على قدر خلوص نياتكم، فـ " إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى " من عمله.

ثم أخبر عن الهداية وأن ليس لأحد عليها ولاية، وأن الله فيها ولي الكفاية بقوله تعالى: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [البقرة: 272]، الإشارة فيها: إن يا محمد لك المحمود واللواء المعقود، ولك الوسيلة، وعلى الأنبياء الفضيلة، ولك ليلة المعراج والقربة الواصلة، ولك يوم القيامة الشفاعة والرفعة، وأنت سيد الأولين والآخرين، وأنت أكرم على رب العالمين، ولكن { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } [البقرة: 272]،إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص: 56]، { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } [البقرة: 272]، وهو عالم بخفيات سرائركم وجلبات ضمائركم من غير فطور وقصور، { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } [البقرة: 272]، قطميراً ولا نقيراً.

السابقالتالي
2