الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }

ثم أخبر عن حال النفاق في الإنفاق بقوله تعالى: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } [البقرة: 266]، إشارة في تحقيق الآية، إن الله تعالى ضرب مثلاً لروح الإنسان وقلبه بجنة { لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } [البقرة: 266]، إذ خلق في أحسن تقويم مستعداً لجميع الكرامات والكمالات، مزيناً بجميع الفضائل وحسن الشمائل، مكرماً بعلم جميع الأسماء، منوراً بأنوار العقل والحواس، متوحداً بحمل الأمانة، متفرداً برتبة الخلافة، جنة هي منظور نظر العناية، { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ } [البقرة: 266]، أنهار الهداية وأصاب صاحبها ضعف الإنسانية، { وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ } [البقرة: 266]، من متولدات البشرية، وهم في غاية الاحتياج للتربية بأغذية ثمراتها، { فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ } [البقرة: 266]، من أعمال البر، { فِيهِ نَارٌ } [البقرة: 266]، من الرياء والنفاق { فَٱحْتَرَقَتْ } [البقرة: 266]، الروحانية بنار صفات البشرية، وأبطلت جميع استعدادها، وقابلته الكمالات فيها بتبديل أخلاق الروحاني النفساني وأوصاف الملكي الشيطاني والحيواني، فأهبط من أعلى عليين إلى أسفل سافلين الطبع، { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ } [البقرة: 266]، ألطافه وإحسانه معكم في أصل الخلقة من حسن استعداد الفطرة، { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [البقرة: 266]، في الآية ونعمائه معكم لا تبطلوا حسن حالكم بقبيح أفعالكم، ولا تفسدوا صالح خصالكم بفساد أعمالكم، وتوبوا إلى الله بصدق نياتكم، وأخلصوا لله معاملاتكم في طاعتكم، ولا تضيعوا أعمالكم في طلب آمالكم، واستعدوا للموت قبل حلول آجالكم.

ثم أخبر عن إنفاق المال من كسب الحلال بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ } [البقرة: 267]، الإشارة فيها: أن الله تعالى لمَّا أمر للتصدق بإنفاق الطيب من ماله، راعى صلاحه أكثر مما راعى صلاح الفقير؛ لأن صلاح الفقير مقصور على ما يقول: راجع إلى نفسه، وإن صلاح المتصدق راجع إلى سبعة أمور:

أحدها: لو فسرنا الطيب بالحلال فيقبل الله منه، وإن لم يكن طيباً فلا يقبل الله منه، كقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب " ، ولو فسرناه بالجودة.

وثانيها: أن يكون في إنفاق الطيب جانب الحق تعالى مرعياً بالتعظيم، وقد أمر بالتعظيم لأمر الله، فيثاب على ذلك أيضاً.

وثالثها: فيه رعاية جانب الفقير بالشفقة عليه، وقد أمر بالشفقة عليه، وقد أمر بالشفقة على خلق الله، فيثاب على ذلك أيضاً.

ورابعها: أن يكون به مؤثراً على الفقير، فيثاب أيضاً.

وخامسها: يستحق بذلك البر من الله تعالى، كقوله تعالى:لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92]، والبر مزيد على الثواب؛ لأن الثواب يحصل بإنفاق أدنى شيء وأدون شيء، والبر لا يحصل إلا بإنفاق الأحب، والطيب هو أحب من الرديء، فيحصل له ثواب الإنفاق مع مزيد البر بالإنفاق الأحب.

السابقالتالي
2 3