الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

ثم أخبر عن إظهار قدرته في إحياء الموتى بعد انقطاع المدعي في محبته عقيب الدعوى بقوله تعالى: { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ } [البقرة: 259].

والإشارة فيها: أن قوماً أنكروا حشر الأجساد مع أنهم اعتقدوا وأقروا بحشر الأرواح، وقالوا: الأرواح كان تعلقها بالأجساد ولاستكمالها في عالم المحسوس كالصبي يبعث إلى المكتب لتعلم الأدب، فلما حصل مقصوده من التعلم بقدر استعداده وخرج من المكتب ودخل محفل أهل الفضل وصاحبهم سنين كثيرة، واستفاد منهم أنواع العلوم التي لم توجد في المكتب واستفاد العلوم من الفضلاء بقوة أدبه التي تعلم في المكتب، وصار فاضلاً في العلوم فما حاجته بعد أن كبر شأنه وعظم قدره أن يرجع إلى المكتب وحالة صباه. فلذلك الأرواح لما خرجت من سجن الأشباح واتصلت بالأرواح المقدسة بقوة علوم الجزئيات التي حصلتها من عالم الحس مستفادة عن الأرواح العلوية علم الكليات التي لم توجد في عالم الحسن فما حاجتها أن ترجع إلى سجن الأجساد، فكانت نفسهم تسولت بهذه التسويلات والشيطان يوسوسهم بمثل هذه الشبهات، فالله سبحانه وتعالى من كمال فضله ورحمته على عباده المسلمين أمت عزيزاً مائة سنة وحماره ثم أحياهما جميعاً ليستدل به العقلاء على أن الله مهما يحيي عزيز الروح يحيي معه حمار جسده فلا يشك العاقل بتسويل النفس ووسوسة الشيطان وشبهات المتفلسفين في حشر الأجساد كما قال تعالى: { وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً } [البقرة: 259]؛ يعني: انظر إلى حمارك الميت والعظام الرميمة، ثم انظر إلى العظام ننشزها لنجعل حالك وحال حمارك في الأحياء آية، والآية واضحة وأمارة لائحة للعاقل المؤيد عقله بنور الإيمان { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } [البقرة: 259]، بعد كشف الحجاب برؤية مشاهدة أنوار الغيب { قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 259]، يقر ويؤمن بأن الله يحيي عزيز الروح ويحيي معه حمار جسده، فكما أن عزيز الروح يكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر يكون حمار عزيز الروح، وهو جسده ونفسه في الجنة، فلعزيز الروح مشرب من كئوس تجلي صفات الجمال والجلال عن ساقيوَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [الإنسان: 21] والحمار الجسد مشرب من أنهار الجنان وحياض رياض،وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [الزخرف: 71]قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } [البقرة: 60] مشربنا، وأهرقنا على الأرض سؤرنا وللأرض من كأس الكرام نصيب، وإن لحشر الأجساد وإعادة الأرواح إليها فوائد وحِكَماً سنبينها في موضعه إن شاء الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7