الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

ثم أخبر عن خروج طالوت لقتال جالوت بقوله تعالى: { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ } [البقرة: 249]، والإشارة فيها: { إِنَّ ٱللَّهَ } [البقرة: 249]، تعالى ابتلى الخلق { مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } [البقرة: 249]، الدنيا وماء زينتها وما زين للخلق فيها كقوله تعالى:زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ } [آل عمران: 14]، ليظهر المحسن من المسيء وليميز الخبيث من الطيب والمقبول من المردود كما قال تعالى:إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } [الكهف: 7]، ثم امتحنهم وقال تعالى: { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } [البقرة: 249]؛ يعني: من أوليائي ومحبي وطلابي وله اختصاص بقربي وقبولي والتخلق بأخلاقي نيل الكرامة مني كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أنا من الله والمؤمنون مني " { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } [البقرة: 249]؛ يعني: من قنع من متاع الدنيا على ما لا بد له من المأكول والمشروب والملبوس والمسكن وصحبة الخلق على حد الاضطرار بمقدار القوام كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان يقول: " اللهم أرزق آل محمد قوتاً " أي: يمسك رمقهم.

ثم قال تعالى: { فَشَرِبُواْ مِنْهُ } [البقرة: 249]؛ يعني: المبتلى { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } [البقرة: 249]، وهم الأقلاء في كل عصر وزمان، الأعيان والأحساب، وقوله تعالى: { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } [البقرة: 249]، إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جاوز بهم الدنيا إذا قال: " ما لي وللدنيا " والذين آمنوا معه كانوا يسيرون معه بسيرته كما قال:مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً } [الفتح: 29]، وفي قوله تعالى: { قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } [البقرة: 249]، والإشارة إلى أن كل من شرب من نهر الدنيا وشهواتها وتجاوز عن حد الأمر فيها لا يكون له طاقة المنازلة لقتال جالوت النفس وجنوده صفاتها وعسكر هواها؛ لأنه صار معلولاً مريض القلب فيبقى على شط الدنيا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ } [البقرة: 249]؛ أي: يستيقنون أنهم عند ملاقاة العدو، ملاقون لربهم وهو ناصر لهم على العدو ولهذا قال: { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [البقرة: 249]؛ أي: بنصره { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [البقرة: 249]، بالنصرة على العدو وبتوفيق الصبر عند الملاقاة كما قال تعالى:وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [النحل: 127].

ثم أخبر عن بروز طالوت وقتل جالوت بقوله تعالى: { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ } [البقرة: 250]، الآيتين والإشارة فيهما أن المجاهدة في الجهاد الأكبر وهو الجهاد مع جالوت النفس الأمارة لا يقوم بحوله وقوته على قتال النفس ولا يظهر عليها حتى يبرأ من حوله وقوته ويرجع إلى ربه تعالى مستغيثاً به مستعيناً به مستدعياً منه { رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً } [البقرة: 250]، على الائتمار لطاعتك والانزجار عن معاصيك ومخالفة الهوى وترك تيه الدنيا { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } [البقرة: 250]، في التسليم عند الشدة والرخاء ونزول البلاء وهجوم أحكام القضاء في السراء والضراء وفي التوكل على الحالات عليك، وفي تفويض الأمور إليك والرضا بما في الكتاب المسطور لربك { وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } [البقرة: 250]، وهم أعداؤنا في الدين عموماً والنفس الأمارة وصفاتها التي أعدى عدونا بين جنبينا خصوصاً فإذا كان الالتجاء عن صدق الرجاء برب الأرض والسماء فيكون مقروناً بالإجابة الدعاء والظفر على الأعداء عند اللقاء.

السابقالتالي
2 3 4 5