الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

ثم أخبر عن قتال أهل المال وجدال أهل الضلال بقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ } [البقرة: 246] والإشارة فيها أن القوم لما أظهروا خلاف ما أضمروا وزعموا غير ما كتموا أعرض نقد دعواهم على محك معناهم فما أفلحوا عند الامتحان إذ عجزوا عن البرهان وعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان: { إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ } [البقرة: 246]؛ يعني: أنكم هو شمول إذا ادعيتهم دعوى عريضاً تصريحاً لا تعريضاً أن تقاتل في سبيل الله وإن القتال في سبيل الله من شأن الأنبياء وخواص الأولياء وليس من منيع أهل الطباع والهوى فأنا أتوقع إن كتب عليكم القتال أن تقاتلوا فيما ادعيتم كالرجال وتكون أفعالكم دون أقوالكم وأعمالكم { قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا } [البقرة: 246]، فكان أول مقالهم دعوى إخلاص لله في قتالهم فظهر عن المقصود وأخرجا لهم معنى الذب عن أولادهم وأموالهم، فهذا حال أكثر مدعي الإسلام والإيمان يزعمون يصلي ويصوم ويحج ويزكي ويعمل ويصنع لله وفي الله، فإذا امتحنوا بصدق الجنان وعرضوا النقود على الميزان فيكشف الغطاء ويظهر الخفاء ففي كفتي الميزان يرى ما كان لله، وما كان للهوى فيقال هذا أثر الحياة، فإن الجنة هي المأوى، وهذا لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ } [البقرة: 246]، تبين الأبطال من البطال واسودت وجوه أصحاب الدعاوي، وابيضت وجوه أرباب المعاني: { تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } [البقرة: 246]، ولا شك أن أهل الحق في كل زمان وإن كان أعز من العتقاء وأعوز من الكيمياء، قال بعضهم:
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا   فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا   عَزيرٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
وإنما لم ينل المدعون مقصدهم؛ لأنه لم يخلص بالحق لله مقصودهم، ولو أنهم قالوا ما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أمرنا ربنا وأوجب القتال علينا وإنه سيدنا ومولانا، فالله صدق دعواهم وأعطى مناهم وأكرم مثواهم، كما قال قوم من السعداء في أثناء التضرع والبكاء بالنفس الصعداء:وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ } [المائدة: 84]، لا جرمفَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [المائدة: 85]،كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 29] على قدر ظلمهموَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } [الجمعة: 7].

ثم أخبر عن إجابة سؤالهم وبعد الإجابة بين مع النبي أحوالهم وأخلاقهم وأفعالهم بقوله تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } [البقرة: 247]، والإشارة فيها أن الحكمة الإلهية الأزلية جلت وتجلت جلباب تعاليها عن أن تكون العقول القاصرة الخلقية مدركة لكل معنى من معانيها وأنه ليس العجب في أن العقول البشرية المشوبة بظلمة الهوى والغضب كبني إسرائيل حارت عند سماع قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } حتى

السابقالتالي
2 3