الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ } * { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ } * { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

حجبوا عن مشاهدة الحبيب صلى الله عليه وسلم ومنعوا عن طاعة الكتاب قال لهم: { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } [البقرة: 23] سماه بالعبد المطلق ولم يسم غيره إلا بالعبد المقيد باسمه كما قال تعالى:وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ } [ص: 41]، وذلك أن كمال العبودية ما تهيأ لأحد من العالمين وهو كمال حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، وكمال العبودية في كمال الحرية عما سوى الله تعالى وهو مختص بهذه الكرامة كما أثنى الله تعالى عليه بذلك وقال:إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [النجم: 16-17]، فلما اختص بهذه الحرية أكرمه باسم العبد المطلق كما قال تعالى:فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ } [النجم: 10] إنما ذكره في هذه الآية بعبدنا أمر في الآيات المتقدمة بالعبودية الخالصة وترك الأنداد، ولقولهٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } [البقرة: 21]، وقوله تعالى:فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } [البقرة: 22]، أي: أحباباً من الدنيا والهوى والنفس وشهواتها من المراتع الحيوانية والآخرة ونعيمها والروح وما لو فاتها من المستحسنات الروحانية وما صح لأحد من العالمين من هذه المرتبة من العبودية الخالصة إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم فذكره في هذا المعرض وسماه بعبدنا مطلقاً.

وقال تعالى:إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ } [يونس: 104] مما أنعمنا على عبدنا محمد لحسن استعداده في كمال العبودية بإنعام الوحي ونعمة القرآن، { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [البقرة: 23]، مثل القرآن من أنفسكم { وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم } [البقرة: 23]، الحاضرين معكم يوم الميثاق لأنكم وأنهم ومحمد صلى الله عليه وسلم كنتم جميعاً مستمعين لخطاب،أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172]، مجتمعين في جواب { بَلَىٰ } ، فلو كان محمد قادراً على إتيان القرآن من تلقاء نفسه فهو وأنتم في الاستعداد الإنساني الفطري سواء، فأتوا بالقرآن من تلقاء أنفسكم أيضاً.

{ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } [البقرة: 23]، إنه لقوله من عنده والذي يدل عليه قولهقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [الكهف: 110]، يعني: في الاستعداد البشرييُوحَىٰ إِلَيَّ } [الكهف: 110] ولكن خصصت بالوحي.

ثم أخبر عن عجزهم بالإتيان بمثل القرآن في الاستقبال { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } [البقرة: 24] أي: لا تقدرون أنتم ولا من يجيء بعدكم أبداً لأن " لن " للتأبيد وهذا من جملة معجزات القرآن، { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ } [البقرة: 24]، هي صفة القهر وصورة غضب الحق كما جاء في الحديث الصحيح: " قال الله للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ".

{ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ } [البقرة: 24]، أنانية الإنسان التي نسيان الله من خصوصيتها { وَٱلْحِجَارَةُ } [البقرة: 24]، أي: الذهب لأن به تحصيل مرادات النفس وشهواتها وما يميل إليه الهوى، فعبر عما يعبده أنانية نفس الإنسان بالحجارة؛ لأن أكثر الأصنام كانت من الحجارة وعن أنانيته الإنسان بالناس؛ لأنه طلبت غير الله تعالى وعبدته لنسيان الحق ومعاهدة يوم الميثاق، ثم جعل وقودها الناس لقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6