الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ }

ثم أخبر عن أوضاع الوالدات بعد حكم المطلقات بقوله تعالى: { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } [البقرة: 233]، والإشارة فيها أنها تدل من أولها إلى آخرها على أصناف ألطافه، وأوصاف إعطائه في الآية، ونعمائه مع عبيده، وأمانه أنه تبارك وتعالى أرحم بهم من الوالدات الشفيقة على ولدها في الحقيقة على أن غاية الرحمة التي يضرب بها المثل رحمة الأمهات، فالله سبحانه وتعالى أمر الأمهات بإكمال الرحمة، وإرضاع المولدات، وقال: { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [البقرة: 233]، وفي قطع الرضاع على المولود قبل الحولين، إشارة إلى أن - رحمة الله - للعبد أتم من رحمة الأمهات، ثم رحم على الأمهات المرضعات، وقال الله تعالى: { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [البقرة: 233]، ثم اشتملت رحمته بالعدل والنصفة على الأقرباء والضعفة فقال: { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } [البقرة: 233]، في الإرضاع، وما يجب عليها من الشفقة والوالد بولده فيما يلزمه من النفقة، ثم أن الله تعالى كما أوجب حق الولد عن الوالدين أوجب حق الوالدين على المولود، وقال: { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } [البقرة: 233]، وهو المولود؛ ثم أنه تعالى لما علم ضعف الإنسانية، وعجز البشرية خفف عنهم، ورخص في الفطام قبل الحولين والاسترضاع للوالدين، وقال: { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ } [البقرة: 233]، بعد أن راعيتم مصلحة المولود؛ ثم وعدوا وعد كل واحد منهم في رعاية الآخر وإهماله بقوله تعالى: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ } [البقرة: 233]، كلكم في رعاية الحقوق وإهمالها { بَصِيرٌ } [البقرة: 233]، فيجازي المحسن بالإحسان، والمسيء بالإساءة، وهذا أيضاً من كمال اللطف والرحمة، واعلم أن الآية مشتملة على تمهيد قواعد الصحبة وتعظيم محاسن الأخلاق في أحكام العشرة؛ بل أنها اشتملت على مسبوغ الرحمة، والشفقة على البرية، فإن من لا يرحم لا يرحم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن ذكر أنه لم يقبل أولاده: " إن الله لا ينزع الرحمة إلا من قلب شقي ".

ثم أخبر عن عدة المتوفى عنها زوجها ومدتها وحكمها بعد انقضاء عدتها بقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً } [البقرة: 234].

والإشارة فيها أن موت المسلم لم يكن فراقاً اختياريا للزوج فكانت عدة وفاته أطول، وكذلك العبد الطالب، وإن حال الموت بينه وبين مطلوبه من غير اختياره، فالوفاء بحصول مطلوبه في ذمة كرمه محبوبه كما قال الله تعالى:وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ }

السابقالتالي
2 3 4