الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } * { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

ثم أخبر عن نهج نكاح المشركات لعزة المؤمنات لقوله تعالى: { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [البقرة: 221]، والإشارة أن صلة رحم الدين والتمسك بعصمة المسلمين خير من صلة حبل الكفر والتمسك بعصم الكوافر، وإن كان فيه ما يعجبكم من مستحسنات للهوى والمشتهيات النفس، فإنها تدعو إلى النار لأنه حفت النار بالشهوات وترك ما يعجبكم به لامتثال أوامر الله تعالى، وإن لكم فيه كراهة { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ } [البقرة: 221]؛ لأن الجنة حفت بالمكاره: { وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ } [البقرة: 221]، أن يظهر في كل شيء آثار ألطافه مع عباده الناسين عهد الميثاق وما شاهدوا من ألطافه وعاينوا بلا واسطة: { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [البقرة: 221]، ما شاهدوا ويشتاقون إلى ما عاينوا أو لا يغترون بقليل فان عن كثير باق.

ثم أخبر عن سؤالهم عن المحيض وجواب مقالهم بقوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } [البقرة: 222].

والإشارة فيها أن لله تعالى أحكاماً موجبات للنقائص وليس فيها للعبد اختياراً ولا كسب، ولله فيها أسرار عجيبة وألطاف خفية، فمن ذلك كتب الله تعالى على بنات آدم من المحيض ولله فيه امتحان وابتلاء مع الرجال والنساء، كما قال تعالى: { قُلْ هُوَ أَذًى } ثم امتحن الرجال بالاعتزال عن النساء، فقال تعالى: { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222]، وجعل التباعد عنهن في أيام الحيض تقرباً إليه، وقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } [البقرة: 222]، ثم جعل التقرب إليهن على شرائط الأمر ومجانبة الطبع موجباً للمحبة والوصلة، وقال تعالى: { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ } [البقرة: 222]، عن موافقة الطبع { وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: 222]، عن مخالفة الشرع وجعل اعتزال النساء وبعدهن عن الأزواج موجباً للقربة، وإن كان في الظاهر موجباً للعبد عن مقام المناجاة لأنهن منعن عن صورة المناجاة، وهي مداومة الذكر ومراقبة القلوب وقال تعالى: " أنا جليس من ذكرني " وجعل تطهرهن ومحافظة أنفسهن عن إتيان المنهي موجباً للمحبة والوصلة، وقال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ } [البقرة: 222]؛ أي: محافظي النفس عن المنهيات ويحب المتطهرين أي: مربي النفس بالمأمورات، فكما أن للنساء محيضاً في الظاهر، وهو سبب نقصان إيمانهن عن الصلاة والصيام، فكذلك للرجال محيض في الباطن هو سبب نقصان إيمانهم عن حقيقة الصلاة هي المناجاة وعن حقيقة الصيام، وهو الإمساك عن مشتهيات النفوس، وهو هوى النفس كما أن المحيض هو سيلان الدم عن الفرج، فكذلك الهوى هو غَلبات دواعي الصفات البشرية والحاجات الإنسانية فكلما غلب الهوى تكدر الصفاء، وحصل الأذى وقيل: قطرة من الهوى تكدر بحراً من الصفا، فحينئذ غلبة منعت النفس عن الصلاة والصوم في الحقيقة، وإن كانت مشغولة بها في الصورة فأذى الحيض الصوري إن الحائض ممنوعة عن القربات بالصورة لا بالمعنى، وأذى الحيض المعنوي أن الحائض ممنوع عن القربات بالمعنى لا بالصورة إذا نودي قلوب الرجال من سرادقات الجلال، فاعتزلوا النساء النفوس في المحيض غلبات الهوى حتى يطهرن أن يفرغن من قضاء الحوائج الضرورية للإنسان من المأكول والمشروب والمنكوح وغير ذلك، فإذا تطهرن بماء التوبة والاستغفار والإنابة رجعن إلى الحضرة في طلب القربة فأتوهن بالتصرف فيهن من حيث أمركم الله يعني: عند ظهور شواهد الحق بزهوق باطل النفس واضمحلال هواها، إن الله يحب التوابين عن أوصاف الوجود، ويحب المتطهرين بأخلاق المعبود بل يحب التوابين عن بقاء الشهود.

السابقالتالي
2 3 4