الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

فحاصل أحوالهم بعد انقطاع حبالهم قوله تعالى: { صُمٌّ } [البقرة: 18]، يعني بأذن قلوبهم التي سمعوا بها خطاب الله تعالى يوم الميثاق، { بُكْمٌ } [البقرة: 18]، بتلك الألسنة التي أجابوا ربهم بقولهم بلى، { عُمْيٌ } [البقرة: 18]، بالأبصار التي شاهدوا جمال ربوبيته فعرفوه { فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [البقرة: 18]، إلى منازل حضائر القدس؛ بل إلى ما كانوا فيه من رياض الأنس، وذلك لأنهم سدوا روزنة قلوبهم التي كانت مفتوحة إلى عالم الغيب يوم الميثاق بتتبع الشهوات واستيفاء اللذات والخدعة والنفاق، فما هبت عليهم من جانب القدس الرياح وما تنسموا نفحات الأرواح، فمرضت قلوبهم ثم أرسل إليهم الطبيب الذي أنزل الداء وأنزل معه الدواء، كما قال تعالى:وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [الإسراء: 82]، الذين يصدقون الأطباء ويقبلون الدواء، فلم يصدقوهم ولم يقبلوا ظلماً على أنفسهم فصار الدواء داء والشفاء وباء، كما قال تعالى:وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [الإسراء: 82]، فلما لم يكونوا أهل الرحمة وأدركتهم اللعنة الموجبة للصمم والعمى بقوله تعالى:أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } [محمد: 23].

ثم ضرب لهم مثلاً آخر بقوله تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 19]، الآيتين والإشارة في تحقيق الآيتين أن الله تعالى نسبه في حال متمني هذا الحديث واشتغالهم بالذكر وتتبع القرآن في البداية وتجددهم في الطلب ما يفتح لهم من الغيب إلى أن تظهر النفس الملائكية وتقع في آفة الفترة والوقفة بمن يكون في المفازة سائراً في ظلمة الليل والمطر، وشبه الذكر، والقرآن بالمطر؛ لأنه ينبت الإيمان والحكمة في القلب كما ينبت الماء البقلة، { فِيهِ ظُلُمَٰتٌ } [البقرة: 19]، أي: مشكلات ومتشابهات وشبهات تظهر للسالك الذاكر في أنحاء السلوك ومعان دقيقة لا يمكن حلها وفهمها والخروج عن عهدة آفاتها إلا لمن كان له عقل منور بنور الإيمان مؤيد بتأييد الرحمن كما قال تعالى:ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [الرحمن: 1-2].

فكما أن السير لا يمكن في الظلمات إلا بنور السراج كذلك لا يمكن السير في حقائق القرآن ودقائقه ولا في ظلمات البشرية إلا بنور الهداية الربوبية، ولهذا قال تعالى: { أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } [البقرة: 20]، يعني: نور الهداية { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } [البقرة: 20] يعني: ظلمة البشرية. قوله تعالى: { وَرَعْدٌ } [البقرة: 19]، خوف وخشية ورهبة تتطرق إلى القلوب من هيبة جلال الذكر والقرآن كما قال تعالى:لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [الحشر: 21].

{ وَبَرْقٌ } [البقرة: 19]، وهو تلألؤ أنوار الذكر والقرآن تهتدي إلى القلوب فتلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله فتظهر، فسببها حقيقة القرآن والدين فتعرفها القلوب بقوله تعالى:وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ }

السابقالتالي
2 3 4