الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } * { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

ثم أخبر عن سؤالهم في إنفاق أموالهم بقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ } [البقرة: 215]، والإشارة فيها: أن سؤالهم ماذا ينفقون من جنس الأدب لأهل الطلب لكيلا يتصرفوا في شيء من أموالهم، ويغيروا حالاً من أحوالهم بالهوى والطبع؛ بل بالأمر والشرع يوجب الرفعة والقربة، فليس للعبد تحرك إلا بإذن مولاه، ولا سكون إلا على وفق رضاه؛ لأن العبودية الوقوف حيث ما أوقفك الأمر والصرف أينما صرفك الحق؛ فأجاب الله تعالى سؤالهم بقوله: { قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ } [البقرة: 215]، دنياوي وأخروي من مال وجاه علم، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فأبدوا { فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } [البقرة: 215].

كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم،وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214]، وقال صلى الله عليه وسلم: " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " على ترتيب الأمر { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } [البقرة: 215]، ثم جعل الخير عاماً، وقال تعالى: { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } [البقرة: 215] يعني: من أي نوع من أنواع الخيرات مع كل ذي روح كما قال: صلى الله عليه وسلم " في كل كبد حراء أجر " ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [البقرة: 215] أي: بالخير الذي تفعلون وبمن معه تفعلون، وبأي اعتقاد ونيته؛ بالحق أو بالباطل، بالرياء أو بالإخلاص، بالطبع أو بالشرع، بالهوى أو بالله، والله عليم ومجازيكم عليه بقدرات استحقاقكم.

ثم أخبر عن فرض القتال بقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } [البقرة: 216]، والإشارة فيها: أن قتال النفس وجهادها في الله أمر لازم حق واجب بقوله تعالى:وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [الحج: 78]؛ ولكنه للطبع فيه كراهة عظيمة، وحقيقة الجهاد رفع الوجود المجازي، فإنه الحجاب بين العبد والرب كما قيل: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب، وكما قال ابن منصور رحمه الله: بيني وبينك أني يزاحمني فارفع بجودك أني من البين { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً } [البقرة: 216]؛ يعني: تكره النفس رفع وجودها { وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [البقرة: 216] أي: خير للنفس بأن تتبدل أوصاف الوجود الحقيقي { وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً } [البقرة: 216]، وهو تمتعات النفس البهيمية باللذات الجسمانية { وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } [البقرة: 216]؛ أي: شر للنفس بحرمانها عن السعادة الأبدية، واللذات الروحانية، وذوق المواهب الربانية { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } [البقرة: 216]، أن في كراهة النفوس ما أودع من راحة القلوب، وفي قتلها ما قدر من الحياة { وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 216]، أن حياة القلوب في موت النفوس، وفي حياة النفوس موت القلوب، كما قال:
أَقَتلوني يا ثِقاتي   إِنَّ في قَتلي حَياتي
ثم أخبر عن السؤال عن الشهر الحرام، وفيه القتال بقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } [البقرة: 217] الآيتين والإشارة فيهما أن المعاصي بعضها أكبر من بعض، أن سوء الأدب على الباب لا يوجب على البساط يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } [البقرة: 217] أي: ذنب كبير؛ لأن فيه ترك حرمة الشهر ولكن { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ } [البقرة: 217]، وترك حرمة { وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 217]، وحرمة النبي صلى الله عليه وسلم وإخراجه من مكة أكبر من ذلك؛ لأن ترك حرمة الشهر زلة النفس والصد عن سبيل الله والكفر بالله وإخراج النبي صلى الله عليه وسلم كفر، فمؤاخذة النفوس الكافرة على الزلات بالعقوبة المؤجلة وهي الافتراق بعد الاختراق وزلات المؤمنين وسيأتيهم تبدل حسنات عند التوبة والاستغفار والأعمال الصالحة { وَٱلْفِتْنَةُ } [البقرة: 217]، التي يشرونها بطريق القتال والخداع أهل الكفر حتى يردوكم بها عن دينكم إن استطاعوا أكبر وأعظم عند الله { مِنَ ٱلْقَتْلِ } [البقرة: 217]، شرك في الشهر الحرام { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ } [البقرة: 217]، فإنه { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [البقرة: 217]، ويؤاخذ الله أهل هذه الفتنة بهما كما يؤاخذهم بكفرهم { وَأُوْلـٰئِكَ } [البقرة: 217]؛ يعني: أهل الفتنة: { أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 217]، لأنهم كفروا وأثاروا الفتنة لارتداد المؤمنين حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا وما استطاعوا ولكن يؤاخذون بالسعي في الترديد

السابقالتالي
2 3