الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

{ فَإِن زَلَلْتُمْ } [البقرة: 209] أي: زالت أقدامكم عن صراط الإسلام الحقيقي { مِّن } [البقرة: 209]، أيضاً معه العداوات فهو إظهار محبته أي: الله فإن محبته أي: الشيطان مضمرة في عداوات الشيطان { بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } [البقرة: 209]؛ أي: البراهين القاطعة والحجج الساطعة من القرآن ومعجزاته والأمر بدخول الإسلام الحقيقي والنهي عن اتباع الشيطان ونزعاته { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } [البقرة: 209]؛ فلعزته لا يهتدي إليه كل ذليل دنيء الهمة قصير النظر { حَكِيمٌ } [البقرة: 209]، بحكمته يهدي من يشاء إلى سرادقات عزته.

ثم أخبر عن أهل الزلل وغرورهم وعواقب أمورهم بقوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [البقرة: 210]، والإشارة فيها أن الله تعالى أخبر عن أهوال القيامة وأحوالها بكلام قريب إلى أفهام العوام، وأما الذين في قلوبهم نور الإيمان وشرح الله صدورهم بنور الإسلام، فقد هدوا وفهموا مقصود الكلام في هذه الآية وأمثالها وانتفعوا بها بلا توهم تشبيه أو تمثيل أو تخيل نفي وتعطيل، وأما الذين هم أهل الأهواء كما قال تعالى:فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } [آل عمران: 7]، فشرعوا فيها بأهوائهم وفسروها بآرائهم، فوقعوا في أودية الضلالة فهلكوا وأهلكوا خلقاً بالجهالة فنادتهم العزة:وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } [آل عمران: 7]، فإنهم أصحاب الكشوف وأرباب المشاهدات، فيتجلى الله لهم تارة بصفات الجمال فيريهم لمعة من أصناف ألطافه وأنواع إعطائه مع خواص عباده، ومرة بصفات الجلال فيذيقهم شظية من آثار هيبته وقهره مع المتمردين من أهل عناده، فيحل لهم كل أشكال وينجيهم من كل ضلال، ويغنيهم بها عن كل تفسير وتأويل، ويخلصهم من كل تشبيه وتعطيل، وكوشفوا بحقائق ما أخبروا وعاينوا بخلاف ما أضمروا ولكن يضيق عن إعلامه نطاق النطق ولا يسع إظهار لا في ظهوره الحروف كما قيل، وإن قميصاً خيط من نسج تسعة وعشرين حرفاً عن معانيه قاصر، بل لا ينتهي إليها حظي العقول والأوهام، ولا يدركها إبصار البصائر والإفهام، فإن هذا عما يكاشف الخواص والأولياء في حال غيبتهم عن الخلق وشهودهم الحق وهم مسلوبو النطق مغلوبو العقل، ومن تأمل هذا وتكشف له أثر من الغوامض التي درج عليها المتقدمون مكلفين عقولهم ما ليس في وسعها طمعاً في أن ينالوا ما لا ينال وكان عاقبتهم الحيرة والضلالة.

ثم أخبر عن زوال النعمة لأهل الضلالة والنعمة بقوله تعالى: { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } [البقرة: 211]، الآيتين والإشارة فيهما أن السؤال وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن فائدته راجعة إلى عامة أمته وخاصتها، فإنا فائدته فهي أن يعلموا أن الله إذا أنعم على عبد بنعمة من أنواع نعمه الظاهرة والباطنة فإن لم يعرف قدرها فيبدل نعمته بالنقمة أن يكفرها ولا يشكرها، كما فعل بنو إسرائيل من بعد ما جاءتهم البينات من المعجزات والكرامات فما عرفوا قدرها فبدلوها بما قالوا.

السابقالتالي
2 3 4