الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } * { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

ثم أخبر عن رعاية المحدودات أنها أيام معدودات بقوله تعالى: { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } [البقرة: 203]، والإشارة أن المداومة على الذكر والملازمة على العبودية في أيام معدودات العمر المختصر من البداية إلى النهاية بجميع أجزاء الوجود مندوب إليه في الشريعة، وأمر واجب لأرباب الطريقة، كما نقل عن بعضهم وقد سئل عن مدة هذا العمر؟ فقال: من المهد إلى اللحد، ولو شئت لقلت: من الأزل إلى الأبد، وهذا مما لا يفهم بهذه العقول المدنسة بالفضول، وقال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم:وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [الحجر: 99]؛ أي: الموت { فَمَن تَعَجَّلَ } [البقرة: 203]؛ يعني: من أرباب السلوك وأصحاب القلب { فِي يَوْمَيْنِ } [البقرة: 203]؛ يعني: يوم البداية ويوم النهاية، أو يوم الطلب ويوم الوصول بازدياد في الأوراد وجد في الاجتهاد، وتأخر هاتين الحالتين عن بعض المجاهدات، أو يرفق بالنفس في شيء من المباحات { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } [البقرة: 203]؛ أي: لمن كان ثابتاً في التقوى راسخاً في الاستقامة مع المولى { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [البقرة: 203]، في جميع الأحوال بتزكية النفوس وتنقية القلوب، وحفظ الأعمال { وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [البقرة: 203]؛ يعني: إن لم ترجعوا بالاختيار تحشرون إليه بالاضطرار.

ثم أخبر عن مقال أهل القال، ومعاملة أهل الحال بقوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } [البقرة: 204] إلى قوله: { وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [البقرة: 206]، والإشارة فيها أن قوماً أعرض الحق تعالى عن قلوبهم؛ فأعطاهم في الظاهر بسطة في اللسان وتقريراً في البيان ويدعون شيئا بأقوالهم يكذبون فيها بأخلاقهم وأفعالهم فيعجب الخلق بأقوالهم ما لم يروا أعمالهم، ولكن الله يشهد سرائرهم، ويعلم ضمائرهم إن عقود أسرارهم حضور أخبارهم، وفي الحقيقة هذه خصلة بعض النفوس الأمارة بالسوء أن تظهر السوء باللات المموهة والأقوال المزخرفة تسر بقبائح أوصافها وفضائح أخلاقها، وتعلن الصداقة وتخفي العداوة، وترى أنها أولى الأولياء، وتراها أعدى الأعداء { وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ } [البقرة: 204-205]؛ أي: وجد التمكن والولاية { سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ } [البقرة: 205]؛ يعني: في أرض القلب { لِيُفْسِدَ فِيِهَا } [البقرة: 205]، يخربها { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ } [البقرة: 205]، ويبطل حرث الصدق في ترك الدنيا، وطلب الآخرة والتوجه إلى الحق { وَٱلنَّسْلَ } [البقرة: 205]، ما تولد من الأخلاق الحميدة، والخصال السريدة { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } [البقرة: 205]، بالأقوال الكاذبة.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } [البقرة: 206]، يعني لأرباب النفوس من أهل الكبر والأنفة { أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } [البقرة: 206]، ثم سمحت أرواحهم عن قبول الحق وتمادت نفوسهم بالباطل، ولو ساعدت العناية وأدركتهم العاطفة؛ لتقلدوا المنن لمن هداهم إلى الجنة ونبههم عن نوم الغفلة، وولتهم على طريق الوصلة، ولكن من رزق العناد زال عن منهج السداد وضل عن سبيل الرشاد { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [البقرة: 206] أي: حسبه جنهم الغرور والتكبر، فإنها دركة من دركات نار القطيعة في الحال { وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } ، والمرجع في المآل.

السابقالتالي
2 3