الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَٰكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } * { وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

ثم أخبر عن أشهر الحج وشرائطها وحث على رعاية وسائطها بقوله تعالى: { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } [البقرة: 197]، الإشارة فيها أن قصد القاصدين إلى الله تعالى وطلب الطالبين؛ إنما يكون في أشهر معلومات وأيام معلومات من حياتهم الفانية في الدنيا، فأما بعد انقضاء الآجال وفناء الأعمال فلا يصلح لأحد السعي ولا يفيد القصد، كما لا يفيد للحاج القصد بعد مضي أشهر الحج؛ لقوله تعالى:يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } [الأنعام: 158]، وكما أن للحاج مواقيت معينة يحرمون منها، فكذلك للقاصدين إلى الله ميقاتاً؛ وهي: أيام الشباب من بلاغة الصورة إلى بلوغ الأربعين؛ وهو: حد بلاغة المعنى؛ لقوله تعالى:حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [الأحقاف: 15]؛ ولهذا قال المشايخ: الصوفي بعد الأربعين نادر؛ يعني: إن كان ظهور إرادته وطلبه يكون بعد الأربعين، فوصوله إلى القصد الحقيقي يكون نادراً مع إمكانه، ولكن من يكون طلب صدقه في الإرادة قبل الأربعين، وما أمكنه الوصلة بقرب الاحتمال أن يكون بعد الأربعين حصول مقصوده بأن يبذل غاية مجهوده بشرائطه وحقوقه وحدوده من إقامة، أو أن الطلب في عنفوان شبابه يستبعد له الوصلة في حال شيبه، فجرى منه على الحيف بأن ضيع اللبن في الصيف؛ ولكن يصلح للعبادة التي أجرها الجنة، قيل: وقف صاحب ولاية على باب الجامع والخلق يخرجون منه في ازدحام وغلبة وكان ينظر إليهم ويقول: هؤلاء حشو الجنة، وللمجالسة أقوام آخرون.

{ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } [البقرة: 197]؛ أي: صادقه صدق الالتجاء، وقصد الحق في شرخ شبابه يتزر بإزار التواضع والانكسار، ويرتدي برداء التذلل والافتقار، { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } [البقرة: 197]؛ أي: لا يخرج من أمر من الأوامر، ولا يدخل في منهى من المناهي، بل لا يخرج من حكم الوقت ولا يدخل فيما يورث المقت.

{ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } [البقرة: 197]؛ أي: لا نزاع للسالك الصادق في طلب الوصول مع أحد في شيء من الدنيا لا بالفروع ولا بالأصول، وإلا فما تخاصم مع أحد، ولا في جاهها لأحد تزاحم، فمن نازعه في شيء منها يسلمها إليه ويسلم عليه، فإن من دأب القوموَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [الفرقان: 63].

{ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } [البقرة: 197]؛ يعني: من هذه الجملة وغيرها من الخيرات، { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } [البقرة: 197]، قليله وكثيرة وإخلاصه ورياءه وسره وعلانيته، { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [البقرة: 197]، في الكلام تقديم وتأخير وإضمار تقديره وتزودوا يا أولي الألباب؛ يعني: لكل سالك طريق زاد يناسب طريقه، فزاد أولي القشور؛ وهم: أهل الدنيا من الكعك والسويق وأمثاله؛ لأن طريقهم ومقصدهم ومقصودهم أيضاً قشر بالنسبة إلى طريق الحق، فإن طريقهم الأرض، ومقصدهم ومقصدهم البيت، ومقصودهم الجنة، وهذا قشر بالنسبة إلى ما ذكرنا، { وَتَزَوَّدُواْ } فإن خير المقاصد ينبغي أن يكون من { خَيْرَ ٱلزَّادِ } ، فأشار إلى: { تَزَوَّدُواْ } يا أولي الألباب من لب الزاد وهو التقوى { فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } وخير التقوى أن تكون متقي، إن تتقون بي مني، فتقوى أهل القشور مجانبة الزلات والمزلات بالطاعات والمبرات تفهم إن شاء الله تعالى وتنتفع به.

السابقالتالي
2 3 4 5