الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

وإنما تعذب النفوس؛ لرفع فتنتها بقوله تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [البقرة: 193] وفتنتها معارضتها ومنازعتها مع القلب بدواعيها وشهواتها، وشربها عن شاربها، فعلاجها بمباشرة أضدادها حتى يصح مزاجها في العبودية ولا تبقى معها آثار البشرية، { وَيَكُونَ } [البقرة: 193]، استسلامها، { ٱلدِّينُ للَّهِ } [البقرة: 193]، فلا تعارض لحكم من الأحكام، ولا تنازع في شيء مما يرويه الإسلام، { فَإِنِ ٱنْتَهَواْ } [البقرة: 193]، فإن استسلمت النفوس { فَلاَ عُدْوَانَ } [البقرة: 193]؛ أي: الجور والتعذيب، { إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 193]، الذين يعبدون الهوى والدنيا من دون المولى.

ثم أخبر عن اعتداء أهل الهوى ومجازاتهم بالاعتداء بقوله تعالى: { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 194]، أشار فيها أن يفوتكم من الأوقات بتوالي النفوس ونزاعها وغلبات صفاتها واستيلائها فتداركوه؛ الشهر بالشهر، واليوم باليوم، والساعة بالساعة، والوقت بالوقت، والأوراد بالأوراد، { وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } [البقرة: 194]، واقضوا الغاية، واقتصوا الحقوق.

{ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 194]؛ يعني: كل صفة من صفات النفس إذا غلبت واستولت عليكم، { فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ } [البقرة: 194]، وعالجوها بضدها، فإن غلبت بالبخل عالجوها بالسخاء، وإن غلبت بالغضب عالجوها بالحلم، وإن غلبت بالحرص عالجوها بالترك والزهد، وإن غلبت بالشهوة عالجوها بالرياضة والعقلة، فعلى هذا فقس الباقي، { بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 194]، فاعتدوا عليها حتى تغلبوا عليها، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [البقرة: 194]، في إفراط الاعتداء والاحتراز عن هلاك النفس بكثرة المجاهدات، وفي تفريط الاعتداء اجتناباً من الركون إلى شهوات النفس ومواقفها في المخالفات وهلاكها في فرط الآفات، { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 194]، بالنصرة إلى جهاد النفس وقهرها، ومنعها من الاعتداء بالتوفيق للاتقاء.

{ وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [البقرة: 195]، من الأموال والأنفس التي اشتراها الله منكم كقوله تعالى:وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } [الصف: 11]، { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [البقرة: 195]، في جهاد النفس بإفراط الاعتداء وتفريطه، ولا في جهاد الكفار بالإفراط بأن يبارز واحد على رهط، ولا بالتفريط بأن يفر واحد من الاثنين، وأيضاً: { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } بالتفريط في الحقوق ولا بالإفراط بالحظوظ، وأيضاً: بموافقات النفوس ومخالفات النصوص، وأيضاً: بترك النفوس وتخلية القلوب، وأيضاً: بملاحظة الأعمال في استجلاء الأحوال، وأيضاً: بالركون إلى الفتور بالحسان والغرور.

{ وَأَحْسِنُوۤاْ } [البقرة: 195]، مع نفوسكم بوقايتها عن نار الشهوات، ومع قلوبكم برعايتها عن دين الغفلات، ومع أرواحكم بحمايتها عن حجب التعلقات، ومع أسراركم بكلائتها عن ملاحظة المكونات، ومع الخلق بالتصفية ودفع الأذيات وإيصال الخيرات، ومع الله بالعبودية في المأمورات والمنهيات، والصبر على المضرات والبليات، والشكر على النعم والمسرات، والتوكل عليه في جميع الحالات، وتفويض الأمور إليه في الجزئيات والكليات، وتسليم الأحكام الأزليات، والرضا بالأقضية الأوليات، والفناء عن الإيرادات المحدثات في إرادته القديمة القائمة بالذات، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 195]، الذين هم في العبادة بوصف المشاهدة.

السابقالتالي
2 3