الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } * { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

ثم أخبر أنه مع عظم الشأن قريب بالإحسان بقوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [البقرة: 186]، والإشارة فيها أن من يكون مخصوصاً بخصوصية عبادي يكون سؤالهم عني لا عن غيري؛ ولأنه { إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ }؛ أي: إنما كان سؤالهم عني حين سألوك؛ لأني كنت قريباً باللطف إليهم أقرب إليهم منهم بهم كقوله تعالى:وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16]، { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186]؛ أي: صفتي أني أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } [البقرة: 186]، كما إني أجيب لهم إذا دعوني؛ ليكونوا موصوفين بصفتي في الإجابة؛ { وَلْيُؤْمِنُواْ } [البقرة: 186]، إجابتهم أن يؤمنوا { بِي } [البقرة: 186] بمعني الطلب؛ أي: يطلبوني ولا يطلبون من غيري، { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186]؛ لكي يهتدوا بي؛ إذ يسألونك عني ولا يسألونك عن غيري، كما أن قوماًيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } [الأنفال: 1]، وقوماًيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } [البقرة: 220]، وقوماًيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [الإسراء: 85] فإن قيل فلم لا تستجاب بعض الأدعية وقد وعد الله الإجابة بقوله: { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186]، وبقوله:ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60]، فالجواب عنه إنما لا تستجاب بعض الأدعية؛ لأن الداعي ترك بعض أركانه وشروطه، فإن للدعاء المستجاب أسباباً وشرائطاً وهي كثيرة منها ما يتعلق بالعموم كما مر ذكر بعضها وليس هاهنا موضعه، ومنها ما يتعلق بالخصوص وهي التزكية والتحلية، والإجابة موثوقة على تزكية الداعي فعليه أن يزكى البدن أولاً فليصلحه ولو بلقمة الحلال، فقد قيل: الدعاء مفتاح باب السماء، وأسنانه لقم الحلال، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الرجل يطيل السفر يمد يده إلى السماء أشعث أغبر يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " ويزكي نفسه ويطهرها عن أوصاف البشرية والأخلاق الذميمة فإنه هو الأصل في الاستجابة؛ لكونها قاطعات لطريق الدعاء وفي الحديث: " إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب " ، ويزكي نفسه عن رين تعلقات الإنسان من النفساني والروحاني ويصفيه بالأذكار، وينوره بنور الأخلاق الرباني، فإن هذه أسباب القربة؛ لرفع الدعاء إلى الله تعالى، كما قال الله تعالى:إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10] ويزكي الروح عن دنس التفات لغيره؛ ليتعرض لنفحات ألطاف الحق، ويزكي السر عن وخيمة الشرك بتوجهه إلى الحق في الدعاء؛ لطلب الحق لا لطلب غير الحق؛ ليستجاب دعاؤه ولا يخيب رجاؤه، كما قال تعالى: " ألا من طلبني وجدني ومن طلب غيري لم يجدني " ، وإن الله تعالى وعد الإجابة بالدعاء فإني { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ }؛ أي: دعاءه، { إِذَا دَعَانِ }؛ أي: إذا طلبني، وكذا قال تعالى:

السابقالتالي
2 3 4