الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } * { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

ثم أخبر عن فوائد القصاص للعوام والخواص بقوله: { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 179]، والإشارة فيها أنها دالة على تحقيق ما ذكرنا أن في قصاصي سعادة الدارين، وإن من قتل بسيف الصدق عن تجلي صفات جلال الحق وأفنى من وجوده فله في القصاص حياة حقيقية؛ لأنه إذا تلف فيه فهو الخلف عنه وحياته به أتم له من بقائه بنفسه، ولهذا اختص بهذا أولي الألباب بقوله تعالى: { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي: تتقون عن شرك وجودكم ببذل قشر الروح الإنساني عند شهود الجلال الوحداني والجمال الصمداني؛ لتؤيدوا ببيت الروح الرباني لقوله تعالى:وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } [المجادلة: 22] وتكونوا أولي الألباب لكم حياة هم لب قشر هذه الحياة الإنسانية؛ لقوله تعالى:فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97]، وإذا كان الوارث عنكم الله والخلف عنكم الله، فبقاء الخلف خير لكم مما ورد عليه السلف تفهم إن شاء الله تعالى.

ثم أخبر أهل المال بالوصية وأمر أهل الحال ببذل الوجود بالكلية بقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً } [البقرة: 180]، والإشارة فيها أنه كتب على الأغيار الوصية بالمال، وكتب على الأولياء والوصية بالحال، والأغنياء يوصون في آخر أعمارهم بالثلاث والأولياء يخرجون من مبادئ أحوالهم عن الكل قوله تعالى: { إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } إذا حضر أحدهم قلب مع الله ولموت نفسه بالإرادة عن الصفات الطبيعية الحيوانية، كما قال صلى الله عليه وسلم: " موتوا قبل أن تموتوا " أو ترك كل خير وشر مكان مشربها من الدنيا والعقبى، فعليها أن توصي { ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ } [البقرة: 180]، وهما: الروح العلوي والبدن السفلي، فإن النفس تولدت وحصلت بازدواجهما، { وَٱلأَقْرَبِينَ } [البقرة: 180]، وهم: القلب والسر وباقي المتولدات البشرية بتركه وبترك كل مشرب يظهر لهم من المشارب الروحانية الباقية والمشارب الجسمانية الفانية، { بِٱلْمَعْرُوفِ } [البقرة: 180]؛ أي: بالاعتدال من غير إسراف يقضي إلى إتلاف محترز في الأحوال من الركون إلى شهوة من الشهوات، وفي الأعمال متجنباً من الرسوم والعادات، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت لرفع العادات وترك الشهوات " ، وقال صلى الله عليه وسلم: " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، ومن مكارم الأخلاق أن يجعل المشارب مشرباً واحداً، والمذاهب مذهباً واحداً، كما قيل:
وكلٌّ لهُ سؤالٌ ودينٌ ومذهبُ   ووصلكم مسئولي وديني هواكمُ
وأنتمُ من الدنيا مرادي وهمي   مناي مناكم واختياري رضاكمُ
وقوله تعالى: { حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 180]؛ يعني: ما ذكرنا من الوصية بجملتها حق واجب على متقي الشرك الخفي، ولهذا قال تعالى على المتقين وما قال على المسلمين والمؤمنين؛ لأنهم أهل الظواهر، والمتقون هم أهل البواطن، كما قال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6