الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } * { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ } [البقرة: 155]، إلى { هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } [البقرة: 157] والإشارة فيها أن البلاء والابتلاء من الله تعالى لاستخراج جواهر الأخلاق الإنسانية من معادنها؛ لأن الناس معادن كمعادن الذهب والفضة بيانه قوله تعالى:إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } [الكهف: 7]، والأعمال من نتائج أخلاق النفس، فالسنة في استخراج جواهر الشكر الابتلاء بالنعمة كما كان لسليمان عليه السلام فأخرج منه بها الشكر وقال تعالى:إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } [الإسراء: 3]، والسنة في استخراج جواهر الصبر البلاء بالمحبة، كما كان لأيوب عليه السلام فأخرج منه بها الصبر وقال تعالى:إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ } [ص: 44]، فيبتلي الرجل على حسب دينه فمنهم من يبتليهم الله بالخوف، وقال: { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ } يعني ببعضه والسر فيه أن يكون البلاء لأهل العناية بقدر فوته، واستطاعته في النعمة والمحبة يستخرج منه الشكر والصبر، وهما جوهران من معادن الروحانية ولو زاد على قدرة القوة والاستطاعة في النعمة والمحنة ما يخرج إلا ضد الشكر والصبر، وهما الكفران والجزع وهما جوهران من معادن النفسانيات لأهل الرد.

ولهذا قال تعالى:وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [الحجر: 21] أي: بقدر قدرة أهل القبول والعناية وعدم قوة أهل الرد والسخط، ومنهم من يبتليهم الله بالجوع { وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ } [البقرة: 155]، أو ببعض دون بعض من هذه الجملة أو بمجموعها، ثم قال: { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } [البقرة: 155]، بشارة في الحال، أما في الحال فبشر الصابرين على الخوف بالتوكل واليقين والشجاعة، وعلى الجوع بتزكية النفس وتنقية القلب وتصفية الروح وتحلية السر، وعلى نقص الأموال بدفع الحرص والغفلة، وإزالة حب الدنيا فإنه رأس كل خطيئة، وحصول القناعة وهي كنز لا يفنى ومال لا ينفد وشعار الصالحين، وهو العضد وعلى نقصان الأنفس إن كان بالمرض بكفارة الذنوب، وإن كان بموت الأقرباء بقطع التعلقات والتجرد عن العلائق، وعلى آفة الثمرات بالخلف من الله تعالى في الحال، وأما في الحال فبشره بالنجاة من العذاب والدرجات والثواب بغير حساب كقوله تعالى:إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10]، وفيه معنى آخر في غاية اللطافة وهو بشر الصابرين بأني لهم معهم في كل حال من حالات الصبر وتصبرهم على المصائب وتخلقهم بخلق من أخلاقه، وهو الصبر ولو لم يكن معهم باللطف والعناية لما قدروا على الصبر يدل على هذا قوله تعالى:وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [البقرة: 249]، وقال تعالى:وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [النحل: 127]، والصبر هاهنا محمول على ثلاثة أوجه: صبر بالأمر، وصبر بالاختيار، وصبر الاضطرار.

أما الصبر بالأمر: ففي الآية إضمار بقوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ } [البقرة: 155] يعني: ولنبلونكم بأوامر هذه الأشياء، فالأمر بالخوف كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4