الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } * { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } * { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }

ثم أخبر عن قبلة أهل هذه المسألة بقوله تعالى: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 149]، إلى { تَهْتَدُونَ } [البقرة: 150] والإشارة فيها أن الخطاب تكرر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الآيتين، ومن حيث خرجت فلا بد لتكرار من فائدة وهي أن الخروج الأول إشارة إلى الخروج من حجب الجهات معناه حين خرجت وتخلصت من حجب الجهات.

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 144] أي: إلى جهة المسجد الحرام لئلا يتعلق قلبك بالمسجد وبالجهات فإنه حرام على قلبك التوجه والتعلق بغيري { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } [البقرة: 149] يعني: التوفيق لهذا المعنى لحق من الله فلا سبيل للحق إليه إلا به { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة: 149]، ليس عنكم غافلاً حتى تعملوا بغير توفيقه والخروج الثاني إشارة إلى الخروج من الوجود لاندفاع الاثنينية وثبوت الوحدة، معناه: إذا خرجت من حجب وجود الأنانية بسطوات تجلي صفة الوحدانية { فَوَلِّ } وهذا أمر التكوين يعني كن مولياً بسطوات التجلي وجه ذاتك شطر الفناء لتبقى بصاحب المسجد الذي وصفه بالحرام لمعنيين:

أحدهما حرام لمن دخله الخروج أبداً لقوله تعالى:وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } [آل عمران: 97]، من الخروج.

والثاني حرام على غيرك الوصول إلى هذا المقام لأنه المقام المحمود وهو مخصوص بك والمحمود هو الله، فافهم جدّاً.

ثم عمم الخطاب وقال:وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [البقرة: 144]، وفيه معنيان:

أحدهما: وحيثما كنتم أيها المؤمنون يعني أي حال تكونون خرجتم من الحجب أو لم تخرجوافَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [البقرة: 144]، الهاء كناية عنه.

والثاني:فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [البقرة: 144]، الهاء كناية عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني يكون توجهكم إلى متابعته في الخروج عن حجب الوجود واقتداء به في الوصول إلى عالم الشهود { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } [البقرة: 150]، يعني الأوصاف الإنسانية لا تكون عليكم منازعة في سلوك طريق الحق ولا تمنعكم بحجج الدواعي عن الحق إذا كنتم في حقارة المتابعة.

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [البقرة: 150]، يعني: صفة ظلومية النفس الأمارة والشيطان الظالم يزاحمانكم في أثناء السلوك في بعض الأوقات، وذلك لا يخلو من مصالح وحكمة { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } [البقرة: 150]، فإنهم لا يقدرون على قطع طريقكم بدرقة الإخلاص في ظله راية المتابعة { وَٱخْشَوْنِي } [البقرة: 150] يعني: لا تأمنوا مكري في حالة من الحالات ومقام من المقامات وكونوا واثقين بفضلي وإحساني وإنعامي { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } [البقرة: 150]، نعمة المتابعة وإتمامها بالوصال إلى الحضرة، والإشارة في إضافة النعمة إلى نفسه وإتمامها أي: إخراج السالك عن ظلمات حجب وجوده إلى نور عالم ربوبيته كقوله تعالى:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ }

السابقالتالي
2 3 4