الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } * { وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

ثم أخبر عن كمال فضله مع هذه الأمة وحكمة تحويل القبلة بقوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: 143]، والإشارة فيها أن الله تعالى جعل بمحض العناية والكرم هذه الأمة وسطاً عند الأمم وجعل في هذه الأمة هذه الطائفة بهم يمطرون وبهم يرزقون وهم القطب، وعليهم المركز وبهم حفظ الله جميع الأقطار فمن قبلته قلوبهم فهو المقبول المقبل ومن ردته قلوبهم فهو المدبر المردود؛ لأنهم شهود الحق يشاهدون وينظرونه به ويبصرون ويطالعون ولهذا قال: { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: 143]، فكما أن للرسول صلى الله عليه وسلم مقاماً أعلى من مقاماتهم وشهوداً فوق شهادتهم، فيكون شهيداً عليهم فكذلك لهم مقام أعلى من مقامات الناس فيكونون مشرفين على سرائرهم مطلعين على ما في ضمائرهم من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان فيشهدون عليهم، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنتم شهداء الله في أرضه " وقال:كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110]، فلا يخفى أن هذا من سيرة القوم وإن كانوا أغرب من عنقاء مغرب اليوم، ولما أراد الله أن يميز بين المحق الموافق وبين المقلد المنافق حكم في أمر القبلة بالتحويل ليكبر على من نظر بعين التفرقة حكم التبديل، كقوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } [البقرة: 143]، ومن نظر بعين الحقيقة فيهديه الله للتسليم في العبودية فيستسلم لأحكام الربوبية، ثم قال تعالى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [البقرة: 143] أي: من كان لله بجميع أوصافه كان الله له بجميع ألطافه: { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [البقرة: 143]، من قرع باب رأفته فتح الله له أبواب رحمته.

ثم أخبر عن علة تحويل القبلة بقوله تعالى: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 144]، والإِشارة فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم من مكان تأدبه بآداب أدبه ربه بها لم يكن يظهر مع الله سؤاله، ولا يستدعي باللسان مأموله رعاية الآداب القربة؛ إذ أوحى الله تعالى إليه: " من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق مسألة السائلين " ومن كون نفقته على هذه الأمة كان يدخر دعوته المستجابة: " فدعا كل نبي دعوته وادخرت دعوتي شفاعة لأمتي " ، فلما قدر الله تعالى شرف الكعبة أن تكون قبلته وقبلة أمته، فانعكس مسطور الكتاب من الكعبة في مرآة قلب النبي صلى الله عليه وسلم فظهر فيه داعية استقبال القبلة ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وكان تقلب قلبه إلى الله تعالى وتقلب وجهه إلى السماء لأنه كان قمر جبريل عليه السلام، فقال تعالى: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } [البقرة: 144]، فالحبيب يترك سؤاله بطلب رضائه والرب يطلب رضاء رسوله بإنجاز مأموله { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 144]، يعني ول قلبك رب المسجد الحرام بقلب الوجه إلى المسجد الحرام.

السابقالتالي
2 3