الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } * { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

ثم ندب هذه الأمة في اتخاذ مقام الخلة أشار بقوله تعالى: { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [البقرة: 125]، الإشارة فيها أن البيت هو القلب كما جاء أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام وقال: " يا داود فرغ بيتاً أسكن فيه فقال: وكيف يا رب فقال: فرغ لي قلبك " وكذلك قوله تعالى: " لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن " فمعناه إذ جعلنا القلب الإنساني مثابة يرجعون إليه طلابي وزواري، كما يرجعون إلى الكعبة في الصورة وأمنا للسالك من تصرفات الشيطان ومكائده حين بلغ منزل القلب، وحصل له سلوك مقاماته وإن الشيطان لا يقدر على دخول القلب؛ لأن القلب خزانة الحق والخزانة محروسة بحراسة قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن وإنما جولان الشيطان في ميادين الصدور لقوله تعالى:يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 5].

{ وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [البقرة: 125] يعني: إذا وصلتم إلى كعبة القلب اجعلوا مقام الخلة قبلة توجهكم فيكون قصدكم وذهابكم إلي لا إلى سواي اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم، وكانت ملتهوَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الصافات: 99]، ومما يدل على المعنى الذي جرى في الآية قوله تعالى: { وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } [البقرة: 125]، والإشارة فيها أنه لما شرف البيت بإضافة إلى نفسه لقوله بيتي أكرمه بكرامات مخصوصة عن غيره من المساجد:

أولها: أنه كان أول بيت وضع للناس من بيوت الله تعالى.

وثانيها: عين موضعه بمكة خير المواضع بإرسال جبريل عليه السلام وقد خلق الله تعالى موضع البيت بألفي عام.

وثالثها: أمر الخليل عليه السلام ببنائه بيده.

ورابعها: جعله مباركاً على زواره ومستقبليه.

وخامسها: وهو سبب هداية لقوله تعالى:وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } [آل عمران: 96].

وسادسها: جعله حرماً لا يصاد صيده ولا يقطع شجره.

وسابعها: مأمنا لا تجد جانٍ يأوي إليه ويغفر ذنوب من دخل فيه قال تعالى:حَرَماً آمِناً } [القصص: 57].

وثامنها: جعلها قبلة حبيبه، وقال:فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 144]، وقبلة أمتهوَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [البقرة: 144].

وتاسعها: جعله حجة ركناً من أركان الإسلام وقال الله:عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [آل عمران: 97].

وعاشرها: جعله منزل الرحمة ومقسمها لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله في كل يوم وليلة مائة وعشرين رحمة تنزل على هذا البيت ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين ".

والحادي عشر: جعل طوافه عبادة وموجباً للرحمة.

والثاني عشر: جعل النظر إليه عبادة وموجباً للرحمة.

والثالث عشر: جعل جواره جوار الله.

والرابع عشر: جعل محل الآيات البينات.

السابقالتالي
2 3 4