الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } * { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } * { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } * { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً }

وبقوله قال: { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [مريم: 8] يشير إلى أن أسباب حصول الولد منفية من الوالدين بالعقر والكبر وهي من السنة الإلهية، فإن من السنة أن يجعله يخلق الله الشيء من الشيء كقوله تعالى:وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } [الأعراف: 185] ومن القدرة أنه تعالى يخلق الشيء من لا شيء، فقوله: { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } [مريم: 8] أمن السنة أو من القدرة. فأجابه الله تعالى بقوله: { قَالَ كَذٰلِكَ } [مريم: 9] أي: الأمر لا يخلو من السنة أو القدرة؟

وفي قوله: { قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } [مريم: 9] إشارة إلى أن كلا الأمرين عليَّ هين إن شئت أدت إليكما أسباب حقول الولد من القوة على الجماع وفتق الرحم بالولد كما جرت به السنة، وإن شئت أخلق لك ولداً من لا شيء بالقدرة، كما { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } [مريم: 9] أي: خلقت روحك من قبل جسدك من لا شيء بأمر كن، ولهذا قال تعالى:قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الإسراء: 85] وهو أول مقدور تعلقت القدرة به.

واعلم أن من قوله تعالى:إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } [مريم: 3] إلى تمام الآيات إشارة أخرى وهي: إن زكريا الروح نادى ربهنِدَآءً خَفِيّاً } [مريم: 3] سر الس.قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } [مريم: 4] أعظم عظم الروحانيةوَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } [مريم: 4] أي: شيب صفات البشريةوَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ } [مريم: 4] بموهبة الولدرَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ } [مريم: 4-5] أي: صفات النفس أن تغلبوَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي } [مريم: 5] أي: الجثة الجسدانية التي هي زوجة الروحعَاقِراً } [مريم: 5] أي: لا يلد إلا بموهبة من الله،فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } [مريم: 5] وهو في الحقيقة القلب الذي هو معدن العلم اللدني، فإنه ولي الروح والنفس التي هي أعدى عدوة.يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } [مريم: 6] أي: يتصف بصفة الروح وجميع الروحانيات.وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } [مريم: 6] أن تعطيه من تجلي صفات ربوبيتك ما يرضى به نظيره، قوله:وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [الضحى: 5] فأجابه الله تعالى بقوله:يٰزَكَرِيَّآ } [مريم: 7] الروحإِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ } [مريم: 7] وهو القلبٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } [مريم: 7] بإحياء الله إياه بنوره كما قال تعالى:أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً } [الأنعام: 122] فيه إشارة إلى أن من لم يحييه الله ولم يجعل له نوراً فهو ميت، قوله:لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } [مريم: 7] أي: موصوفاً بصفة لا من الحيوانات ولا من الملائكة قبله وهي قبول فيض الألوهية بلا واسطة كما قال تعالى: " لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن " ألا وهي سر حمل الأمانة التي ضاق أهل السماوات والأرض عند حملها.

{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } [مريم: 8] أي: قلب بهذه الصفة.

السابقالتالي
2 3