الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } * { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } * { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }

ثم أخبر عن جده في الطلب واتباعه للسبب بقوله: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً } [الكهف: 89-90] إشارة إلى أن هذا العالم عالم الأسباب لم يبلغ أحد إلى شيء من الأشياء، ولا إلى مقصد من المقاصد إلا أن مكنه الله تعالى، وأتاه سبب بلاغ ذلك الشيء والمقصد، ووفقه لاتباع ذلك السبب، فباتباع السبب بلغ ذة القرنين مغرب الشمس ومطلعها.

وبقوله: { كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً } [الكهف: 91] يشير إلى أنه كما أتيناه من كل شيء سبباً؛ ليبلغ به إلى ذلك الشيء، كذلك أتيناه علم سبب الذي يبلغ بين السدين، { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } [الكهف: 89] أي: ذلك السبب. { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } [الكهف: 93].

فإن قيل: فكيف أخبر عنهم؟ إنهم { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }.

ثم قال: { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } [الكهف: 94] قلنا: كلمة كاد: ليست لوقوع الفعل كقوله تعالى:تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [مريم: 90] أي: قربت لانفطار فلم تنفطر، وإذا دخل فيها لا الجحود دوماً النفي يكون لوقوع الفعل كقوله تعالى:فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } [البقرة: 71] أي: قرب ألاَّ يذبحوها فذبحوها، وكذلك قوله: { لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } [الكهف: 93] أي: قرب ألاَّ يفقهون قولاً يلين به قلب ذي القرنين؛ ليجعل لهم السد ففقهوا بإلهام الحق تعالى: { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } [الكهف: 94] والذي يدل على هذا قوله تعالى: { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } [الكهف: 95] أي: أعطاني الله من التمكين في قبول الخير والعمل به خير من تجرد قولكم.

{ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } [الكهف: 95] من ترتيب الآلات لا بالقول، { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } [الكهف: 95] ففسر القوة بقوله: { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } [الكهف: 96-97].

وفي قوله: { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } [الكهف: 98] دلالة على نبوته، فإنه أخبر عن وعد الحق تعالى، وتحقق وعده وهذا من شأن الأنبياء وإعجازهم، والله أعلم.

ثم اعلم أن الله تعالى من كمال حكمته وقدرته جعل لوجود كل شيء سبباً من أسباب السماوات والأرض، ولبلوغ كل أحد إلى مقام من مقامات الدنيا والآخرة، وإلى قربة من قربات الحضرة سبباً مناسباً له، فإذا أراد بلوغ أحد إلى مقام أو قربة يؤتيه سبب ذلك، ويوفقه لإتباع ذلك السبب، فكما أتى لذي القرنين

السابقالتالي
2