الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } * { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } * { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً }

{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ } [الكهف: 49] خائفين { مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً } [الكهف: 49] وهي كل تصرف في شيء بالشهوة النفسانية وإن كانت من المباحات { وَلاَ كَبِيرَةً } [الكهف: 49] وهي التصرف في الدنيا على حبها وإن كان من حلالها؛ لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة { إِلاَّ أَحْصَاهَا } [الكهف: 49] علمها.

{ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } [الكهف: 49] لأنهم كتبوا صالح أعمالهم بقلم أفعالهم على صحائف قلوبهم وسوء أعمالهم على صحائف نفوسهم، وقد يوجد عكس ما في هذه الصحائف على صفحات الأرواح، وإن كان نورانياً أو ظلمانياً { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [الكهف: 49] فإن كان النور غالباً على صفحة روحه فهو من أهل الجنان، وإن كانت الظلمة غالبة عليها فهو هالك ومن لا يشوب نوره بالظلمة فهو من أهل الدرجات والقربات ومن أدركته الجذبات وبدلت سيئاته بالحسنات وأخرج إلى النور الحقيقي من الظلمات فهوفِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 55].

ثم أخبر عن فضيلة آدم المكرم بقوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } [الكهف: 50] إشارة إلى معانٍ وحكم وأودعها الله فيه:

فمنها: ما يتعلق بالله عز وجل وهو أنه تعالى أراد أن يظهر به صفة لطفه وصفة قهره وكمال قدرته وحكمته، فاظهر لطفه بآدم أن خلقه من صلصال من حمأ مسنون، وأمر ملائكته الذين خلقوا من النور بسجوده، ومن كمال لطفه وجوده وأظهر صفة قهره بإبليس إذ أمره بالسجود آدم بعد أن كان رئيس الملائكة ومقدمهم ومعلمهم وأشدهم اجتهاداً في العبادة حتى لم يبق في سبع سماوات ولا في سبع أرضين شبر إلا وقد سجد لله تعالى عليه سجدة حتى امتلأ العجب بنفسه حين لم ير أحداً بمقامه فأبى أن يسجد لآدم استكباراً وقال:أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } [ص: 76] فلعنه الله وطرده إظهاراً للقهر وإظهار كمال قدرته وحكمته بأن بلغ من غاية القوة والحكمة ما خلقه من قبضة خراب ظلماني كثيف سفلي إلى مرتبة يسجد له جميع ملائكته المقربين الذين خلقوا من نور علوي لطيف روحاني.

ومنها: ما يتعلق بآدم عليه السلام وهو أنه تعالى لما أراد أن يجعله خليفة في الأرض أودع في طينته عند تخميرها بيده أربعين صباحاً سر الخلافة وهو استعداد قبول الفيض الإلهي بلا واسطة، وقد اختصه الله تعالى وذريته بهذه الكرامة لقوله:وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } [الإسراء: 70] من بين سائر المخلوقات كما أخبر النبي عن كشف قناع هذا السر بقوله: " إن الله خلق آدم فتجلى فيه " ولهذه الكرامة صار مسجوداً للملائكة المقربين.

ومنها: ما يتعلق بالملائكة وهو أنهم لما خلقوا من النور الرحماني العلوي كان من طبعهم الانقياد لأوامر الله والطاعة والعبودية له فلما أمر بسجود آدم امتحنوا به وذلك غاية الامتحان؛ لأن السجود أعلى مراتب العبودية له فلما أمروا بسجود آدم والتواضع لله فإذا امتحن به أحد أن يسجد لغير الله فذلك غاية الامتحان للامتثال، فلم يتلعثموا في ذلك وسجدوا لآدم بالطوع والرغبة من غير كرهٍ وإباءٍ امتثالاً وانقياداً لأوامر الله تعالى كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3