الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } * { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } * { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } * { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } * { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً }

{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [الكهف: 42] أي: أحاط بأنواع شهواتها الهلاك والفساد { فَأَصْبَحَ } [الكهف: 42] أي: النفس يوم القيامة { يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } [الكهف: 42] حسرة وندامة { عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا } [الكهف: 42] من العمر والاستعداد لقبول الكمال، { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } [الكهف: 42] أي: جنة الدنيا ساقطة خالية عما فيها { وَيَقُولُ } [الكهف: 42] النفس { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } [الكهف: 42] أي: لم أشرك بعبادة ربي عبادة الهوى والدنيا { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ } [الكهف: 43] صفات وأخلاق حميدة { يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الكهف: 43] أي: يدفعون عنه عذاب الله { وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } [الكهف: 43] ممتنعاً من العذاب { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ } [الكهف: 44] أي: الحق مع أهل ولاية الله يومئذٍ إذ لم يشركوا بعبادة الله الهوى، ولم يتخذوا من دون الله ولياً وما أنفقوا عمرهم في طلب غير الله وما صرفوا حسن استعدادهم إلا لقبول فيض الله بلا واسطة { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً } [الكهف: 44] لأهل ولايته من ثواب أهل الدنيا وثواب أهل الآخرة { وَخَيْرٌ عُقْباً } [الكهف: 44] لهم إذ صاروا إلى الله إذ صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار فافهم جدّاً.

ثم أخبر عن حال الفانيات والباقيات بقوله تعالى: { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ } [الكهف: 45] يشير إلى أن الماء هو الروح العلوي الذي أنزله إلى أرض الجسد، { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } بالروح { نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } [الكهف: 45] وهي الأخلاق الذميمة النفسانية، فإن اتصف الروح العلوي بالخذلان أي: أرض النفس ونبات صفاتها حتى يختلط بها فإنه يتطبع بطبع النفس السفلية ويتصف بصفاتها ويتخلق بأخلاقها، { فَأَصْبَحَ هَشِيماً } [الكهف: 45] قد تلاشت منه نداوة الأخلاق الروحانية الحميدة بجذب هواء الطبيعة { تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ } [الكهف: 45] أي: تفرقه رياح الأهوية المختلفة حتى أهلكته في وادٍ من الأودية السفلية وهذا تحقيق قوله:لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } [التين: 4] أي: الروح الإنسانيفِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [التين: 4-5] وقوله تعالى:إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر: 2] إذا أخلي إلى طبيعته الإنسانية فأما الذي أدركته العناية الأزلية بعد تعلق الروح بالحب كتعلق الماء بالأرض فيبعث الله إليه لنفسه دهقان من دهاقين الأنبياء والأولياء معه بذر الإيمان والتوحيد؛ ليلقيه بيد الدعوة وتبليغ الرسالة في أرض نفسه فيقع منها في تربة طيبة وهي القلب كما ضرب الله تعالى:مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } [إبراهيم: 24].

وكقوله:وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } [الأعراف: 58] فينبت عن بذر التوحيد وهي كلمة لا إله إلا الله شجرة الإيمان بماء الشريعة فتعلو به الروح من أسفل الإنسانية إلى أعلى الدرجات الروحانية وأقرب منازل قربات الربانية كقوله تعالى:

السابقالتالي
2