الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } * { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } * { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } * { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

وبقوله تعالى: { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الكهف: 23-24] يشير إلى عدم الاختيار والمشيئة لحبيبه ونبيه صلى الله عليه وسلم في شيء من الأمور، وإن الاختيار والمشيئة لله تبارك وتعالى، وأفعال العباد كلها مبنية على مشيئته كقوله تعالى:وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الإنسان: 30] ومن لم يعلق وقوع فعله بمشيئة الله، فإن من سنته أن يجري الأمر على خلاف مشيئتهم، كما كان حال سليمان عليه السلام في طلب الأولاد إذ دار على نسائه في ليلة واحدة وهن ثلاثمائة نسوة - والله أعلم - لتأتي كل واحدة منهن ولداً بأن يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله؛ فما أتت بولد إلا واحدة منهن لا شق له، وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم حين سألته اليهود عن أحوال أصحاب الكهف وعددهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " سأخبركم " ولم يقل: إن شاء الله، فأبهم الله أحوالهم عليه فقال:سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم } [الكهف: 22] وهذا تأديب النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يكل علمها إلى الله تعالى ووعدهم بأن يعلمهم بها.

ومن تأديبه قوله:مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً } [الكهف: 22] يعني: نحن نعلم قليلاً من أمتك أحوالهم كرامة لك، وإن لم نعلمكم بالتمام تأديباً لك، فلا تخبر أنت بما أخبرناك عن أحوالهم { وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً * وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الكهف: 22-24] غيرنا لنخبرك تصرفاً بالاستقلال عن أحوالهم { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [الكهف: 24] أي: واذكر بقولك إن شاء الله إذا نسيت وجودك، وإن لك تصرفاً بالاستقلال { وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي } [الكهف: 24] إذ لم يهدني إلى أحوالهم بالشرح يهديني بهذا التأديب { لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } [الكهف: 24] أي: إلى طريق أقرب إليه وأرشد من هذا.

ثم أخبر عن لبثهم في الكهف فقال: { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً * قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } [الكهف: 25-26] يعني: لو لم يخبر الله عن لبثهم ومدة إقامتهم في الكهف ما كان أحد أن يعلم بمدة لبثهم ولا هم بها علم كماقَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [الكهف: 19] لجهلهم بحال أنفسهم { لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [الكهف: 26] أي: ما غاب عن أهل السماوات { وَٱلأَرْضِ } [الكهف: 26] أي ما غاب عن أهل الأرض { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } [الكهف: 26] أي: هو البصير بكل موجود وهو السميع بكل مسموع، فيه أبصر من أبصر، وبه سمع من سمع { مَا لَهُم مِّن دُونِهِ } [الكهف: 26] أحداً أي: من دون الله { مِن وَلِيٍّ } [الكهف: 26] يخبرهم عن غيب السماوات والأرض { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ } [الكهف: 26] من الأزل إلى الأبد { أَحَداً } [الكهف: 26] لعزته.

السابقالتالي
2