الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } * { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } * { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } * { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

ثم بقوله تعالى: { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ } [الكهف: 16] يشير إلى أن التائب الصادق، والطالب المحق من اعتزل عن قومه وترك أهل صحبته، وقطع عن إخوانه شؤونه واعتقد إلا يعبد إلا الله، ولا يطلب إلا الله، ولا يحب إلا الله، يعرض عما سوى الله، مستعيناً بالله، متوكلاً على الله، مُنفراً إلى الله من غير الله، ثم يأوي إلى كهف الخلوة متمسكاً بذيل إرادة شيخ كامل مكمل واصل موصل؛ ليربيه ويزيد في هدايته ويربط على قلبه بقول الولاية وقوة الرعاية، كما كان حال أصحاب الكهف، ولكنهم كانوا مجذوبين من الله مربوبين بربهم وذلك من النوادر، ولا حكم للنادر هذا من قدرة الله أن يهدي جماعة إلى الإيمان بلا واسطة رسول أو نبي ويجذبهم بجذبات العناية إلى مقامات القرب ومحل الأولياء بلا شيخ مرشد وهاد مربي، ومن سنته تعالى أن يهدي عباده بالأنبياء والرسل وبخلافتهم ونيابتهم بالعلماء الراسخين والمشايخ المقتدين.

ففي قوله: { فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ } [الكهف: 16] إشارة إلى الالتجاء بالحق والتمسك بالمشايخ المكملين يعني بهذه الطريقة { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } [الكهف: 16] أي: يخصصكم برحمته الخاصة المضافة إلى نفسه وهو أن يجذبهم بجذبات العناية ويدخلهم في عالم الصفات ليتخلقوا بأخلاقه ويتصفوا بصفاته كقوله تعالى:يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } [الشورى: 8] وله تعالى رحمة عامة مشتركة بين المؤمن والكافر والجن والإنس والحيوان.

{ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } [الكهف: 16] أي: ييسر لكم طريق الوصول والوصال.

ثم أخبر عن أصناف ألطافه بأضيافه بقوله تعالى: { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ } [الكهف: 17] يشير إلى أن نور ولايتهم، وهو نور زاده الله على أنوار هدايتهم وإيمانهم، كما قال:وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } [الكهف: 13] يغلب على نور الشمس ويرده عن الكهف كما يغلب نور المؤمن على نار جهنم فيطفئها لقوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن إذا ورد النار تستغيث النار، وتقول: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي " ، { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } [الكهف: 17] أي: يمين الكهف { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ } [الكهف: 17] أي: تدعهم جانب شمال الكهف { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } [الكهف: 17] أي: متسع وفراغ من ذلك النور يدفع عنهم كل ضرر وآفة، ويراعيهم عن بلى أجسادهم وثيابهم { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } [الكهف: 17] أي: من دلالاته وكراماته التي يظهرها على أوليائه ويخصصهم بخصائص { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } [الكهف: 17] أي: فهو الذي اهتدى بهداية الله إياه فلن يقدر على إضلاله أحد { وَمَن يُضْلِلْ } [الكهف: 17] أي: يضلل { فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } [الكهف: 17] غير الله أي: فلن يقدر على هدايته أحد.

السابقالتالي
2 3