الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } * { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } * { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } * { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً }

ثم أخبر عن زهوق صفات البشرية عند تجلي صفات الربوبية بقوله تعالى: { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ } [الإسراء: 81] يشير إلى كل ما يجيء من الحق تعالى من الواردات والطوالع والشواهد والأنوار وتجلي صفات الجمال وتجلي صفات الجلال.

وبقوله: { وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } [الإسراء: 81] يشير إلى كل ما يكون من الخواطر والتفكر والتعقل، والأوصاف والأخلاق والذوات، فإن في مجيء كل واحد مما من الحق زهوق واحد مما من الخلق { إِنَّ ٱلْبَاطِلَ } [الإسراء: 81] وكل ما خلا الله { كَانَ زَهُوقاً } [الإسراء: 81] زائلاً، يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أصدق ما قالته العرب قول لبيد:
ألا كلُّ ما خلا الله باطلُ   وكلُّ نعيمٍ لا محالة زائلُ
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بل نعيم الجنة فإنه لا يزول ".

وبقوله: { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ } [الإسراء: 82] يشير إلى أن كلام الحبيب شفاء القلوب كما قيل: إن الأحاديث من سلمى تسليني، وإن من القرآن ما هو إيعاد بالوصلة والوصال، فهو شفاء لمعلول الهجر والفراق، وأين المدامة من ريقها؛ ولكن أعلل قلباً عليلاً، قال موسى عليه السلام وهو معلوم القرآن، وكان يرى بشفائه في الوصال، فقال:أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143] فكان الله تعالى يشفيه بكلامه فقال له:إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } [الأعراف: 144] فإن فيه تسكين ثائرة شوقك في الحالوَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [الأعراف: 144] لا يزيد في نعمة اللقاء في المآلفَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } [السجدة: 23].

وأما حال الحبيب نبينا صلى الله عليه وسلم فهو المحبوب المجذوب غريق ببحر الوصال، وقد شفي قيل أن يستشفى، فقيل له:أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } [الفرقان: 45] { وَرَحْمَةٌ } [الإسراء: 82] له و { لِّلْمُؤْمِنِينَ } [الإسراء: 82] إذا أرسله الله رحمة للعالمين { وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ } [الإسراء: 82] منكري أرباب حقائق القرآن وأسراه { إَلاَّ خَسَاراً } [الإسراء: 82] بأن يخسروا الإيمان التقليدي بالإنكار على أهل الإيمان الحقيقي، بل على أهل العناية { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ } [الإسراء: 83] بالإيمان التقليدي { أَعْرَضَ } [الإسراء: 83] عن أهل الحق وأرباب الحقائق { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } [الإسراء: 83] تعظيماً لنفسه وتباعداً من أهل الحق مستأنفاً للاقتداء بهم.

{ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ } [الإسراء: 83] بشبهة في الدين من كلمات أهل الأهواء والبدع { كَانَ يَئُوساً } [الإسراء: 83] يقنط عن إيمانه بأدنى شك داخله في دينه.

{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } [الإسراء: 84] وهي ما خلق عليه من درجات السعادة كالمؤمنين الموحدين قابلي كمالات الدين من حقائق القرآن والتخلق بأخلاقه، ومن دركات الشقاوة كالمنافقين المشركين منكري حقائق القرآن وأربابها { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } [الإسراء: 84] إلى الحق الحقيقة.

ثم أخبر عن الروح الذي به كل فتوح بقوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الإسراء: 85] يشير إلى أن الروح من عالم الأمر، فإن الله تعالى خلق العوالم كثيرة كما جاء في الخبر بروايات مختلفة، فقال في بعض الروايات: " خلق ثلاثمائة وستين ألف عالم " ، وقد مرَّ تفصيلها ولكنه جعله محصورة في عالمين اثنين وهما الخلق والأمر، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7