الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } * { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً } * { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } * { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } * { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } * { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }

ثم شرف أمته بتبعيته بتشريف هذه المرتبة السنية وصرح بخطابهم فقال: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 23] أي: لا تعبدوا الدنيا والآخرة إلا الله وإنما قال ربك أراد به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مخصوص بالتربية أصالة والأمة تبعاً له في هذا الشأن، وقوله: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ } [الإسراء: 23] أي: وحكم ربك وقدَّر في الأزل ألاّ تعبدوا، المخصوصون بالخطاب، إلا الله، فما عبدوا، وحكم أيضاً كما قال: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء: 23] يشير بالوالدين إلى والد الروح ووالد البدن، والإحسان بهما أن تراقبهما في العبودية ليعبدوا كأنهما يريان الله فإن لم يكونا يريان الله فإنه يراهما.

وبقوله: { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } [الإسراء: 23] يخاطب القلب ويوصيه بأن يواسي والد الروح عند كبره وهو بلاغه أعلى مراتب القرب، وعجزه عند سطوات تجلي صفات الألوهية، ويداوي والد البدن عند كبره وهو كبر السن، فلا تنفعهما في الاستعمال عند العجز { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } [الإسراء: 23] عند الاستراحة { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } [الإسراء: 23] أي: رفيقاً عند استعمالهما في العبودية.

{ وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } [الإسراء: 24] أي: تتواضع لهما، ولا تتكبر عليهما فإنك أخذت التربية عنهما { وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [الإسراء: 24] وذلك لأن القلب طفل يولد بازدواج الروح والبدن، وقد وجدت التربية عنهما صورة ومعنى إلى أن صار قابلاً لتجلي جمال الربوبية وجلالها وصار خليفة الله في أرضه.

ثم قال: { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ } [الإسراء: 25] من استعداد لأنه دبره فيها { إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ } [الإسراء: 25] مستعدين للخلافة { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً } [الإسراء: 25] والأوَّاب الراجع من أنانيته إلى هويته بغفوريته يشير إلى أن كل نفس صالحة للخلافة إنما تبلغ محلها بالأنانية، فإن من كان مقيداً بنفسه لا يصلح لخلافة الله.

ثم أخبر عن آداب الخلافة بقوله تعالى: { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } [الإسراء: 26] إشارة إلى أن النفس فإنها من ذوي قربى القلب ولها حق كما قال صلى الله عليه وسلم " إن لنفسك عليك حقاً " والمعنى لا يبالغ في رياضة النفس وجهادها؛ لئلا تسأم وتمل أو تضعف عن حمل أعباء الشريعة وحق رعايتها عن الشرف في المأكل والملبوس والأثاث والمسكن وحفظها عن طرفي الإفراط والتفريط صيانة عن التبذير.

كما قال: { وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } [الإسراء: 26] أي: لا تنفق لهوى النفس وشهواتها والتذاذها بحظوظها { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ } [الإسراء: 27] أي: أعوانهم في إهلاك أنفسهم ونظراؤهم في كفران النعمة والعصيان.

كما قال: { وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } [الإسراء: 27] أي: لا يشكر نعمه بامتثال أوامره ونواهيه.

السابقالتالي
2