الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } * { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } * { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } [الإسراء: 6] باستيلاء داود قلوبكم وقتل جالوت نفوسكم { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ } [الإسراء: 6] أموال الطاعات والعبادات { وَبَنِينَ } [الإسراء: 6] هي الإيمان والإيقان { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } [الإسراء: 6] في العدد والجماعات ممن كان قبلكم الذين أهلكناهم بكفران النعمة، وإنما رددنا الكرة عليهم وأنعمنا عليكم بهذه النعم جزاء الشكورية لنوح.

ثم أخبر عن جزاء أهل الإحسان بقوله تعالى: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } [الإسراء: 7] إشارة إلى أن الإحسان ليس من صفات الإنسان إنما هو من صفات الله تعالى، فإنه المحسن على الحقيقة، فمن أحسن فقد اتصف بصفة من صفات الله ففائدة إحسانه راجعة إلى نفسه؛ لأنها صارت محسنته بعد أن كانت مسيئته { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [الإسراء: 7] لأنها بقيت على صفة إساءتها، بل ازدادت في الإساءة في البعد وعذاب الفراق { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } [الإسراء: 7] وهي يوم الجزاء { لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ } [الإسراء: 7] وجود قلوبكم يحجب سوء أعمالكم { وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ } [الإسراء: 7] بخت نصر النفس لتخريب بيت المقدس وهو القلب المقدس من دنس الكفر { كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الإسراء: 7] عند استيلاء النفس وصفاتها في أوان البلاغة وعنفوان الشباب { وَلِيُتَبِّرُواْ } [الإسراء: 7] أي: وليهلكوا { مَا عَلَوْاْ } [الإسراء: 7] ما غلبوا عليه من أطوار قلوبكم { تَتْبِيراً } [الإسراء: 7] يليق بها.

{ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } [الإسراء: 8] بتعزيز نفوسكم وتقوية قلوبكم فضلاً منه وكرماً { وَإِنْ عُدتُّمْ } [الإسراء: 8] إلى الجهل { عُدْنَا } [الإسراء: 8] إلى العدل، بل إلى الفضل، وإن عدتم إلى الندم عدنا إلى الكرم، وإن عدتم إلى النسيان عدنا إلى الغفران وإن عدتم إلى الإقدام على العبودية عدنا إلى الإنعام بالربوبية، وإن عدتم إلى طلب الهداية عدنا إلى اختصاصكم بالعناية، وإن عدتم إلى التقربات عدنا إلى الجذبات { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ } [الإسراء: 8] البعد والطرد { لِلْكَافِرِينَ } [الإسراء: 8] كافري نعمة القربة والقبول { حَصِيراً } [الإسراء: 8] سحيقاً مخلداً { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ } [الإسراء: 9] أي: هذه الآيات من قوله: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ } [الإسراء: 7] إلى قوله: { حَصِيراً } [الإسراء: 8] { يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء: 9] للوصول؛ لأنها تهدي إلى الخوف والرجاء، وهما خطوتان اللتان بهما يصل السائرون إلى الله، فإن قدم الخوف تهدي إلى الخوف والرجاء وهي الفناء عن الأنانية، وقدم الرجاء تهدي إلى البقاء بالهوية، فافهم جدّاً.

ويؤكد هذا المعنى قوله: { وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ } [الإسراء: 9] وهي قطع مفاوز البعد للقائه في الخوف والرجاء { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [الإسراء: 9] وهو إفضاله الكبير المتعال { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الإسراء: 10] بما وعدهم { بِٱلآخِرَةِ } [الإسراء: 10] أي: بآخرة أعمالهم أيضاً تبشرهم هذه الآيات بوعدها ووعيدها { أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الإسراء: 10] وهو عذاب البعد بعد القرب وعذاب الرد بعد القبول وعذاب السخط بعد الرضا.