الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }

ثم أكد تهديد الطالب الناكث بإعادة قوله: { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } [النحل: 94] أي: لا تتخذوا معاهدتكم مع المشايخ شبكة تصادون بها الدنيا، وقبول الخلق فتزل أقدامكم عن صراط الطلب بعد ثبوتها مدة عليه { وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ } [النحل: 94] تجارة الدنيا والآخرة { بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [النحل: 94] وطلبه متعرضاً إلى الدنيا ونعيمها { وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النحل: 94] بالانقطاع والإعراض عن الله، وما ذنب أعظم منه ولا عذاب أعظم من القطيعة عن الله والحرمان منه.

{ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } [النحل: 95] أي: بالمعاهدة على طلب الله، { ثَمَناً قَلِيلاً } [النحل: 95] وهو متاع الدنيا الفانية لقوله:مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } [النساء: 77] { إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ } من القربات والكمالات { هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [النحل: 95] قدرها بأداء حقها { مَا عِندَكُمْ } [النحل: 96] لله من الدنيا ونعيمها { يَنفَدُ } [النحل: 96] ويفنى { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } [النحل: 96] لكم من الكمالات { بَاقٍ } [النحل: 96] إلى الأبد { وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ } [النحل: 96] على مقاساة شدائد طلب الله { أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل: 96] يعني: بأوفر أجر كانوا عليه يعملون بأنهم على أجر قد سمعوا به وفهموا منه على قدر عقولهم، وقد قال تعالى: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ".

ثم أخبر عما أُعد للطالبين الراغبين بقوله تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } [النحل: 97] يشير بالذكر إلى القلب، وبالأنثى إلى النفس، فالعمل الصالح من النفس استعمال الشريعة بتقوى القلب وصدقه على وفق الطريقة تزكية بصفات الله والتخلق بأخلاقه لطلب الله، والإعراض عما سواه، وبقوله: { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97] يشير إلى إحياء كل واحد منهما بالحياة الطبية على قدر صلاحية عمله وحسن استعداده في قبولها.

فإحياء النفس: بالحياة الطيبة أن تصير مزكاة عن صفاتها متحلية بأخلاق القلب الروحاني مطمئنة بذكر الله راجعة إلى ربهارَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [الفجر: 28].

وإحياء القلب: وحياته الطيبة أن يكون متخلقاً بأخلاق الله، ويكون فانياً عن أنانيته باقياً بهويته حياً بحياته طيباً عن دنس الاثنينية ولوث الحدوث، فإن الله طيب عن هذا الاتصاف فلا يقبل إلا طيباً.

ثم اعلم أن صلاحية أعمال العباد إنما تكون على قدر صدقهم في المعاملات، وحسن استعدادهم في قبول الفيض الإلهي فيكون طيب حياتهم بإحياء الله إياهم بحسب ذلك؛ ولهذا اختلف تفسير المفسرين وتحقيق المحققين في قوله تعالى: { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النحل: 97] على ما مرَّ ذكره، ثم قال تعالى: { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ } [النحل: 97] في الآخرة { أَجْرَهُم } [النحل: 97] أي: أجر كل طائفة منهم { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل: 97] أي: بأوفر ما كانوا يطمعون أن يجازيهم الله على أعمالهم بيانه قوله:

السابقالتالي
2