الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }

{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ } [النحل: 80] يشير به إلى الأرواح، { مِّن بُيُوتِكُمْ } [النحل: 80] أي: من بيوت الأجساد { سَكَناً } [النحل: 80] أي: مسكناً وإلا كان مساكنها عالماً الأرواح { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } [النحل: 80] أي: جعل بيوتكم أجساد حيوانية { تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } [النحل: 80] أي: تستخف أرواحكم النفوس الحيوانية وقواها وقت السير إلى الله ووقت الوقفة للاستراحة والتربية.

وفي قوله: { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً } [النحل: 80] إشارة إلى الصفات الحيوانية والحواس الخمسة والقوى أنها آلات للأرواح في السير { وَمَتَاعاً } ينتفع ويبلغ به { إِلَىٰ حِينٍ } أي: إلى حين الوصول وإقران الوصال { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً } أي: جعل الخلق ظل عالم الأمر لتستظل الأرواح به عند طلوع شمس التجلي وإلا لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره، فافهم جدّاً.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً } [النحل: 81] أي: من جبال القلوب ما يكون الأرواح { وَجَعَلَ لَكُمْ } لأرواحكم { سَرَابِيلَ } من صفاته البشرية { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } تحفظكم من حر نار المحبة { وَسَرَابِيلَ } من صفات الروحانية { تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } أي: تحفظكم من سهام وساوس الشيطان وهواجس النفس { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } أي: على هذه الحكمة البالغة يحفظكم من الآفات ويربيكم بالكرامات حتى يتم نعمة الوصول عليكم { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } أي: تصلون إليه بإسلامه لا يقطع عليكم الطريق قطاع الطريق من الدنيا وما فيها من الزخارف ومن الآخرة وما فيها من المعارف؛ فإنها تمام النعمة وكمال المنحة.

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } [النحل: 82] أي: فإن أعرض أهل الباطل عن الحق { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } لتكون يا محمد رسولاً مبلغاً مبيناً طرق السير والوصول وأهل الباطل الذين هم مظاهر القهر { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } [النحل: 83] بتعريفك { ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } بك وبنعمة الله إظهاراً للقهر.

ثم أخبر عن ندامة أهل الغرامة يوم القيامة بقوله تعالى: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } إشارة إلى أن لأرواح الأنبياء - عليهم السلام - إشرافاً على أممهم فيما يعملون في حال حياتهم وبعد وفاتهم ليشهدوا عليهم بأعمالهم يوم القيامة { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أن يعتذروا عما عملوا بقضاء ما فاتهم من الأوامر وبالتوبة والاستغفار عما نوهوا عنه { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يعني: ولا يتكلفون أن يعرفوا ربهم، وذلك لأن الدنيا مزرعة الآخرة، والأرواح بذور في أرض الأشباح، فمربيها ومنبتها ومثمرها أعمال الشريعة بشرط الإيمان، ومفسدها ومبطلها ومغير أحوالها عن خصيتها الكفر وأعمال الطبيعة والموت حصادها والقيامة بيدرها، فكل نبات فسد في الأرض بطل استعداده لقبول التربية، ولم يتم أمر نباته فلما حصد وحصل في البيدر ولا تفيده أسباب التربية لتغير أحوالها، فافهم جدّاً.