الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } * { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }

ثم أخبر عن حكمته بإبقاء بريته بقوله تعالى: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } [النحل: 61] إلى قوله: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } [النحل: 65].

وفي قوله تعالى: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } [النحل: 61] إشارة إلى أن الله تعالى لو كان مؤاخذاً للنفوس الناسية بما ظلمت على القلوب والأرواح ما ترك عليها أي: على أرض البشرية من دابة أي: من صفة من صفات الحيوانية { وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } [النحل: 61] فتأخير أهل السعادة وأرباب السلوك إلى أجل سماه الله بحكمة وسعة في إفناء كل صفة من صفات النفس بتبديلها بصفات القلب والروح في حينه وأوانه، فإن صفات النفس سلم إلى القلب والروح وبه تصعد النفس إلى عالم الروحانية بقدم إفناء صفاتها في صفات الروحانية بتبديلها بها وتأخير أهل الشقاوة وأصحاب النار إلى أجل سماه الله بحكمته وسنته في إفناء كل صفة من صفات الروحانية بتبديلها بصفات النفسانية الحيوانية في حينه وأوانه، وأن الروح تسلم هذه الصفات وتنزل إلى سفل الحيوانية حتى تنخرط في سلكأُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الأعراف: 179].

{ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } [النحل: 61] أجل كل طائفة من أهل السعادة وأهل الشقاوة، { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [النحل: 61] مما سمى الله بحكمته وقت صعودهم ونزولهم، { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } [النحل: 62] أي: يعاملون الله بأعمال يكرهون أن يعاملهم بها غيرهم، { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ } [النحل: 62] أي: تسول لهم أنفسهم بالكذب { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } [النحل: 62] أن لهم تلك المعاملة متجنية فيفرطون بها بغرور النفس { لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ } [النحل: 62] نار الحسرة والقطيعة، { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } [النحل: 62] الذين أفرطوا في تبديل مشارب الروحانية بمشارب النفسانية بتسويل النفس الكاذبة.

{ تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } [النحل: 63] يعني: في الدنيا فيه إشارة إلى أن من اتخذ الشيطان وليّاً فلا يكون الله له وليّاً في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال: { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النحل: 63] وفي هذه الآية تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية قلبه بأن يعلم أن في الأمم الماضية سنة الله وحكمته جارية بهداية قوم وضلالة آخرين.

وقوله: { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } [النحل: 64] إشارة إلى أن القرآن وهو الكتاب المبين الذي يحكم على جميع الكتب المنزلة على الأنبياء - عليهم السلام - ومبين للأمم الماضية فاختلفوا فيه من معارف الدين ومعالم الحق لتتحقق لهم الحقائق المودعة والأسرار التي في القرآن ما لم يتحقق لهم في الكتب الأخرى، وليسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم بياناً ما سموا به من غيره من الأنبياء - عليهم السلام - فتنحل به مشكلاتهم، { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [النحل: 64] أي: ممن آمن بالأنبياء، وممن لم يؤمن بهم ورحمة من الله بهدايتهم بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم لهم، وليكون القرآن هدى لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2