الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ } [النحل: 115] أن تطلبوا من غيره وهو { ٱلْمَيْتَةَ } [النحل: 115] أي: جيفة الدنيا { وَٱلْدَّمَ } [النحل: 115] أي: شهواتها { وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ } [النحل: 115] أي: الغيبة والحسد والظلم والمظالم { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [النحل: 115] وهو مباشرة عمل مباح لا لله ولا للتقرب إليه، بل لهوى النفس وطلب حظوظها { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } [النحل: 115] إلى نوع منها مثل طلب القوت بالكسب الحلال والتأهل للتوالد والتناسل أو الاختلاط مع الخلق للمناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من أبواب البر { غَيْرَ بَاغٍ } [النحل: 115] أي: غير معرض عن طلب الخلق { وَلاَ عَادٍ } [النحل: 115] أي: مجاوز عن حد الطريقة { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النحل: 115] أي: مجاوز عن حد الطريقة { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } [النحل: 115] لما اضطروا إليه { رَّحِيمٌ } [النحل: 115] على الطالبين بأن يبلغهم مقاصدهم.

وفي قوله: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } [النحل: 116] إشارة إلى ما تقولت النفوس بالحسنات والغرور: إنا قد بلغنا إلى مقام يكون علينا بعض المحرمات الشرعية حلالاً، وبعض المحللات حرماً { لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } [النحل: 116] إنه أعطانا هذا المقام كما هو من عادة أهل الإباحة { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } [النحل: 116] إنه أعطانا هذا المقام كما بإعطاء مقام وحال لم يعطهم بعد { لاَ يُفْلِحُونَ } [النحل: 116] بأن يعطيهم أبداً والله أعلم.

{ مَتَاعٌ قَلِيلٌ } [النحل: 117] أي: التمتع بما يفترون على الله يكون زماناً قليلاً في الدنيا { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النحل: 117] بالحرمان عن مقاصدهم وجزاء الافتراء.

وفي قوله: { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } [النحل: 118] إشارة إلى أهل الطلب يعني أنهم لما توجهوا إلى حضرتنا بصدق الطلب حرمنا عليهم موانع الوصول وهي { مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } أي: أشرنا إليك بتحريمها على نفسك في بدء نبوتك حتى كنت محترزاً عن صحبة خديجة وتنحيت إلى حراء أسبوعاً أو أسبوعين { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } [النحل: 118] بتحريم ذلك عليهم، بل أنعمنا به عليهم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [النحل: 118] بالإعراض عنا بعد الإقبال علينا بتسويل النفس وسوسة الشيطان.

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ } [النحل: 119] وهو الإعراض { بِجَهَالَةٍ } أي: بجهالة قدر الإقبال على الله، وإثم الإعراض عنه { ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ } [النحل: 119] أي: رجعوا عن الإعراض، وأقبلوا على الله بصدق الطلب وإخلاص العمل { وَأَصْلَحُوۤاْ } [النحل: 119] بالإقبال ما أفسدوا بالإعراض { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } [النحل: 119] أي: بعد المراجعة والإصلاح { لَغَفُورٌ } [النحل: 119] متدارك بصفة المغفرة ما فاتهم من كمالات المعرفة { رَّحِيمٌ } [النحل: 119] بهم أن يدخلهم في رحمته بجذبات عنايته.