الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

ثم أخبر عن أهل الامتحان بالافتتان، فقال تعالى: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } [النحل: 110] إشارة إلى طالب صادق هاجر نفسه وأعرض عن متابعة هواها وترك شهواتها واستيفاء حظوظها، وأقبل على الله بصدق الطلب وبذل الجهد من بعد الافتتان بتحصيل شهوات النفس ويتبع هواها في مخالفة أوامر الحق ونواهيه { ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ } [النحل: 110] أي: جاهدوا النفس على تزكيتها عن صفاتها الذميمة بموافقة الشريعة ومخالفة الطبيعة وموافقة الطريقة، وصبر على مقاساة شدائد الرياضات والمجاهدات تحت تصرفات المشايخ متمسكاً بذيل إرادتهم ملازماً بصحبتهم من إقبال إشارتهم مشمراً بنجدتهم { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } [النحل: 110] أي: من بعد الخلاص عن الفتنة ومخالفة النفس وهواها والإقبال على الله { لَغَفُورٌ } يغفر لهم ما سلف منهم من السيئات ويبدلها بالحسنات في تزكية النفس وتبديل أخلاقها { رَّحِيمٌ } [النحل: 110] برحمة المشاهدة بعد المجاهدة.

وفي قوله: { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } [النحل: 111] إشارة إلى أحوال أرباب النفوس أن كل نفس على قدر بقاء وجودها تجادل عن نفسها إما دفعاً لعنادها أو جذباً لمنافعها حتى الأنبياء - عليهم السلام - يقولون: نفسي نفسي إلا محمداً صلى الله عليه وسلم ذاته، فانٍ عن نفسه باقٍ بربه يقول: " أمتي أمتي " لأنه المغفور له من ذنب وجوده المتقدم في الدنيا، والمتأخر في الآخرة بما فتح الله له ليلة المعراج، إذ المواجهة بخطاب: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " تغني عن وجوده بالسلام، وبقى بجوده بالرحمة بوجوده، وكان رحمة مهداة أرسل بركاته إلى الناس كافة، ولكنه رفع الزلة من تلك الضيافة خاصة بخواص متابعة، كما قال: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " يعني: الذين صلحوا لبذل الوجود في طلب المقصود ونيل الجود فما بقي لهم مجادلة عن نفوسهم مع الخلق والخالق، كما قال بعضهم: كل الناس يقولون غداً: نفسي نفسي وأنا أقول: ربي ربي.

وفي قوله: { وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [النحل: 111] إشارة إلى أن كل نفس عملت سوء توفى بالعذاب بنار الجحيم ونار القطيعة، وكل نفس عملت خيراً توفى في الثواب من نعيم الجنان ولقاء الرحمن { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [النحل: 111] أي: لا يكذب أهل النعيم ولا يثاب أهل الجحيم.

ثم أخبر عن أهل كفران النعمة وما أصابهم من المحبة بقوله: { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً } [النحل: 112] إشارة إلى قرية شخص الإنسان كانت آمنة أي: أهل القرية وهو الروح الإنساني والقلب { مُّطْمَئِنَّةً } [النحل: 112] اطمئنان بذكر الله { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا } [النحل: 112] من الطاعات والعبادات { رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ } [النحل: 112] روحاني وجسماني { فَكَفَرَتْ } [النحل: 112] النفس الأمارة { بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } [النحل: 112] بنعم الطاعات والتوفيق واتبعت هواها وتمتعت بشهواتها.

السابقالتالي
2