الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } * { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }

ثم أخبر عن الإحسان مع المحسن والإساءة مع المسيء بقوله تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [الحجر: 85] إلى قوله: { لِلْمُؤْمِنِينَ } [الحجر: 88].

{ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: لإظهار الآيات الحق بالحق لأرباب الحق المكاشفين بصفات الحق فإنه لا شعور للسماوات والأرض وما بينهما غير الإنسان بأنها مظهر لآيات الحق، وإنما الشعور بذلك للإنسان الكامل، كما قال تعالى:إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [آل عمران: 190] وهم الذين خلص لبّ أخلاقهم الربانية عن قشر صفاتهم الإنسانية، وفيه معنى آخر { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي: سماوات الأرواح { وَٱلأَرْضَ } أي: أرض الأشباح وما بينهما من النفوس والقلوب والأسرار والخفيات إلا بالحق ومظهره، فإن الإنسان مخصوص به من بين سائر المخلوقات والمكونات؛ لأنه بجميع مبانيه الظاهرة ومعانيه الباطنة مرآة لذات الحق تعالى وصفاته فهو مطهره عند التزكية والتنقية، ومطهره عند التحلية والتجلية به لشعوره بذلك، كما كان حال من صقل مرآته عن صدأ أنانيته وتجلى بشهوة هويته عند تجلي ربوبيته بالحق، فقال أنا الحق، ومن قال بعد فناء أنانيته عن بقائه بسبحانيته سبحاني ما أعظم شأني.

وفي قوله: { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } [الحجر: 85] إشارة إلى أن قيامة العشق لآتية لنفوس الطالبين العارفين من أصحاب الرياضات في مكابدة النفس ومجاهدتها؛ لأن الطلب والصدق والاجتهاد من نتائج عشق القلب، وأنه سيهتدي إلى النفس لكثرة الاجتهاد في رياضتها، فتموت عن صفاتها في قيامة العشق، ومن مات فقد قامت قيامته { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } [الحجر: 85] يا أيها الطالب الصادق عن النفس المرتاضة بأن تواسيها وتدارسها، ولا تحمل عليها إصراً، ولا تحملها ما لا طاقة لها به، فإن قيامة العشق تحصل من تزكية النفس في لحظة واحدة ما لا يحصل بالمجاهدة في سنين كثيرة؛ لأن العشق جذبه الحق، وقال صلى الله عليه وسلم: " جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين " { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } [الحجر: 86] يشير بالخلاق وهو للمبالغة إلى أنه تعالى خالق لصور المخلوقات ومعانيها وحقائقها العليم بمن خلقه مستنداً لمظهرية ذاته وصفاته ومظهريته، فلما كانت السماوات والأرض وما بينهما مظهر الصفات الحق تعالى دون ذاته ولا شعور لها به، ولم تكن مظهراً لذاته وصفاته وكان الإنسان الكامل.

{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً } [الحجر: 87] وأي سبع صفات ذاتية لله تبارك وتعالى وهي السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والإرادة والقدرة { مِّنَ ٱلْمَثَانِي } [الحجر: 87] أي: من خصوصية المثاني وهي المظهرية والمظهرة لذاته وصفاته المختفية بالإنسان، فإن في غير الإنسان لم يوجد إلا وحداناً من المظهرية، كما شرحنا ولو كان ملكاً، ومن ها هنا يكشف سر من أسرار

السابقالتالي
2