الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤرَ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } * { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } * { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } * { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } * { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } * { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } * { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ }

{ الۤرَ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } [الحجر: 1] إلى قوله: { وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } [الحجر: 8].

قوله: { الۤرَ تِلْكَ } يشير بكلمة تلك إلى قوله: { الۤرَ } أي: كل حرف من هذه الحروف حرف آية من { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } وهي { قُرْآنٍ مُّبِينٍ }.

والألف إشارة إلى آية:ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [البقرة: 255].

واللام إشارة إلى آية:وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } [الفتح: 14].

والراء إشارة إلى آية:رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [الأعراف: 23] فالله تعالى أقسم بهذه الآيات الثلاث بإشارة هذه الحروف الثلاثة، ثم أقسم بجميع القرآن بقوله: { وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ * رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الحجر: 1-2] يشير إلى النفس الكافرة وصفاتها المتمردة وتمنيها أن { لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } [الحجر: 2] أي: مستسلمين لأحكام الله تعالى وأوامره ونواهيه، كما استسلم من مؤمني القلب والروح وصفاتها، وذلك يكون عند استيلاء سلطان الذكر على الروح والقلب ونشور صفاتهما وتبدلت أحوالها من الأمارية بالمطمئنة، فتمنت حين ذاقت حلاوة الإسلام وطعم الإيمان أن كانت من بدء الخلقة مسلمة مؤمنة كالقلب والروح.

وأما قوله: { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ } [الحجر: 3] التهديد للنفس ذاقت حلاوة الإسلام، ثم عادت المشئومة إلى طبعها واستحلت مشاربها من نعيم الدنيا، واستحسنت زخارفها فيهددها بأكل شهوات الدنيا والتمتع بنعيمها، ثم قال: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } ما خسروا من أنواع السعادات والكرامات والدرجات والقربات، وما فات منهم من الأحوال السنية والمقامات العلية، وما أورثتهم الدنيا الدنية من البعد من الله والمقت وعذاب نار القطيعة والحرمان.

ثم قال: { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } [الحجر: 4] أي: وما أهلكنا بالخذلان من عاد من قوله: { قَرْيَةٍ } المولى إلى قرية الدنيا { إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } أي: إلا ولها مكتوب في أم الكتاب ما كان معلوماً الله في الأزل من سوء أعماله وأحواله { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } [الحجر: 5] حتى يظهر منه ما هو سبب هلاكه واستوفت نفسه من الحظوظ ما يبطل الحقوق { وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } [الحجر: 5] بحظه بعد استيفاء أسباب هلاكه وعذابه { وَقَالُواْ } [الحجر: 6] يعني: النفوس المرتدة المتمردة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } [الحجر: 6] هذا الخطاب مع القلب الذاكر { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحجر: 6] إذ توقعت من المتمردة الإسلام.

{ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ } [الحجر: 7] أي: هلا تأتينا بصفات الملائكة المنقادين، وحتى إذا اتصفنا بصفاتهم نؤمن بما أنزل إليك من مواهب الحق تعالى، فيه إشارة إلى أن النفس الأمارة بالسوء لا تؤمن بما أنزل الله إلى القلوب من الأنوار الإلهية حتى تصير مطمئنة موصوفة بصفات الملائكة، وتنورت بإشراق أنوار تجلي صفات الله تعالى { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [الحجر: 7] أنك تريد لنا الهداية فأجابهم القلب: { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ } [الحجر: 8] أي: ما تنزل الصفات الملائكية { إِلاَّ بِٱلحَقِّ } [الحجر: 8] أي: إلا بالنفس مطمئنة مستحقة مستعدة بهذه الصفات ولو أنزلت قبل أوانها وكمال استعدادها القبول { وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } [الحجر: 8] أي مؤخرين من الهلاك والتلف لضيق نطاق طاقتهم.

السابقالتالي
2