الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } * { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } * { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

ثم أخبر عن دقائق خزائنه كقوله تعالى: { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } [الحجر: 21] إلى قوله: { إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [الحجر: 25].

قوله: { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } [الحجر: 21] يشير إلى أن لكل شيء خزائن مختلفة متناسبة له كما لو قدرنا شيئاً من الأجسام، فله خزانة لصورته وخزانة لاسمه، وخزانة لمعناه، وخزانة للونه، وخزانة لرائحته، وخزانة لطعمه، وخزانة لطبعه، وخزانة لخواصه، وخزانة لأحواله المختلفة الدائرة عليه بمرور الأيام، وخزانة لنفعه وضره وخيره، وخزانة لظلمته ونوره، وخزانة لملكوته وغير ذلك وهو خزانة لطف الله وقهره، وما من شيء إلا وفيه لطف الله وقهره مخزون وقلوب العباد وخزائن صفات الله تعالى بأجمعها.

{ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [الحجر: 21] أي: وما ننزل أشياء مما في خزائنه إلا بقدر ما هو معلوم منا في الأزل لحكمتنا البالغة المقتضية لإيجاده وإنزاله { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ } [الحجر: 22] أي: رياح العناية { لَوَاقِحَ } يلقح في أشجار القلوب ليحمل بأزهار الشواهد وأثمار الكشوف، كما قال بعضهم: رياح الكرم إذا هبت على أسرار العارفين أعتقتهم من هواجس أنفسهم ورعونات طباعهم وفساد هواهم ومراداتهم، وتظهر في القلوب نتائج الكرم وهو الاعتصام بالله والاعتماد عليه والانقطاع عما سواه إليه { فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ } [الحجر: 22] أي: سماء الهداية { مَاءً } [الحجر: 22] بالحكمة والموعظة { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } [الحجر: 22] ليربي به الأخلاق الحميدة والأوصاف الكريمة ويثمر الأعمال الصالحة { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ } [الحجر: 22] أي: لماء الحكمة { بِخَازِنِينَ } [الحجر: 22] في أصل الخلقة وأنه لفي خزانة الحق تعالى ينزل على من يشاء لقوله تعالى:يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ } [البقرة: 269] والحكمة صفة من صفاته { إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } وليست الحكمة من صفات المخلوقين، وإنما سمى الفلاسفة الحكمة هي المعقولات وهي من نتائج العقل والعقل من صفات المخلوقين فكما لا يجوز أن يقال لله: " العاقل " ، لا يجوز أن يقال للمخلوق: " الحكيم " إلا بالمجازات أتاه الله الحكمة { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي } قلوب أوليائنا بأنواع رجالنا { وَنُمِيتُ } نفوسهم بسطوة نظرات جلالنا { وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } بعد إفناء وجودهم ليبقوا ببقائنا.

{ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } [الحجر: 24] أي: علمنا في الأزل من المستقدم إلينا بنا ومن المستأخر منا بالخذلان، وأيضاً من المستقدم عند خروجه من العدم ومن المستأخر، وأيضاً من المستقدم إلى الوجود ومن المستأخر في العدم، فإن في العدم من مقدورات الحق ما لا نهاية له { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ } [الحجر: 25] أي: يحشر المستقدمين إلى حظائر قدسه بفضله وكرمه ويحشر المستأخرين إلى أسفل السافلين بقهره وعزته { إِنَّهُ حَكِيمٌ } [الحجر: 25] بحكمته يحشر كل طائفة من الفريقين إلى ما هم مستحقين به { عَلِيمٌ } [الحجر: 25] باستحقاق كلا الفريقين.