الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } * { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } * { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ }

{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الحجر: 11] { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ } [الحجر: 12] أي: الكفر { فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الحجر: 12].

{ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [الحجر: 13] بواسطة جرمهم فإنهم بالجرم يسلك الكفر في القلوب كما يسلك الإيمان بالعمل الصالح في القلوب فنظيره قوله تعالى:بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء: 155]، { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } [الحجر: 13] أي: سنة الله مع الأولين فهكذا سنة الله مع الآخرين.

{ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } [الحجر: 14] أي: على الذين أسلكنا الكفر في قلوبهم { بَاباً } من سماء القلب { فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } أي: يصعدون سماء القلب { لَقَالُواْ } من سفاهة الكفر: { إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } [الحجر: 15] أي: سدت أبصار قلوبنا وسحرت بتوهم الصعود في السماء { بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } [الحجر: 15] في رؤية فتح باب السماء وليس هناك فتح باب الهيبة.

ثم أخبر عن حفظ السماء بالنجوم عن الشيطان المرجوم بقوله تعالى: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً } [الحجر: 16] إلى قوله: { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } [الحجر: 20].

قوله: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً } [الحجر: 16] أي: في سماء القلب بروج الأطوار فإن للقلوب أطواراً كما للسماء بروجاً، وكما أن البروج منازل السيارات فكذلك الأطوار منازل شموس المشاهدات، وأقمار المكاشفات، وسيارات اللوائح والطوالع { وَزَيَّنَّاهَا } [الحجر: 16] بهذه الأنوار { لِلنَّاظِرِينَ } [الحجر: 16] السائرين إلى الله من أهل النظر.

{ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } [الحجر: 17] من وسواس الشيطان وهواجس النفس الأمارة المرجومة؛ لئلا تسترق النفس السمع من ملائكة صفات الروح والقلب من أوصاف المشاهدات وأصناف المكاشفات كلمات حق وتضم إليها من تسويلاتها وتلقيها إلى الإخوان وتتفاخر بها عليهم.

{ إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ } [الحجر: 18] أي: ولكن من استرق السمع من النفس والشيطان { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [الحجر: 18] أي: أدركته شعلة من أنوار تلك الشواهد فتحرق الباطل وتبين الحق.

{ وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا } [الحجر: 19] أي: أرض البشرية بسطت على وجه ماء الروحانية { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } [الحجر: 19] أي: جبال صفات القلب والعقل فإن أرض البشرية تميد كنفس الحيوانات، أي: لهن أرساها الله بجبال العقل وصفات القلب { وَأَنْبَتْنَا فِيهَا } [الحجر: 19] في أرض البشرية { مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } [الحجر: 19] بميزان الحكمة، يشير إلى أن بنايات الحق فيها بنيت وهي من صفات كل شيء بقدر ما يحتاج إليه الإنسان في تكميل نفسه والسير إلى الله وهو قوله: { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ } [الحجر: 20] وهي أسباب الوصول والوصال { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } [الحجر: 20] وهو جوهر المحبة فإنه ليس غذاؤه من أوصاف الإنسان ولا من كسبه وإنما غذاؤه من مواهب الحق وتجلي جماله.