الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } * { وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } * { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ }

ثم أخبر عن حال يوم القيامة فقال: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [إبراهيم: 21] أي: خرجوا من القشور الفانية المحجبة الباقية جميعاً من الضعيف والقوي { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ } وهم المتقلدة لأهل البدع { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ } أي: للمبتدعين الزائفين عن الحق والسنة { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } بالتقليد { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ } [إبراهيم: 21] عذاب البعد والانقطاع عن الله { قَالُواْ } يعني: أهل البدع { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ } إلى طريق أهل السنة والجماعة، وهو الطريق إلى الله وقربه { لَهَدَيْنَاكُمْ } إليه به يشير إلى أن الهداية والضلالة من نتائج لطف الله وقهره ليس إلى أحد من ذلك شيء، فمن شاء جعله مظهراً لصفات لطفه ومن شاء جعله مظهراً لصفات قهره { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ } في طلب النجاة من ورطة الهلاك وعذاب البعد { أَمْ صَبَرْنَا } انتظار الرحمة { مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } للنجاة لأنه ضاع منا آلة النجاة وأوانها.

{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } [إبراهيم: 22] من أمر أهل السعادة بالسعادة وأمر أهل الشقاوة بالشقاوة { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } وهو وعد وهو حق لأهل الحق { وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } فيما وعدكم ربكم وهو تكذيب اللقاء والتلاقي وهو وعد { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي } فيما وعدتكم بالباطل لأني خلقت لهذا، ولأني عدو مبين لكم وقد حذركم الله عداوتي { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } بأن صدقتموني فيما كذبتم وكذبتم الله فيما قصدتكم، وذلك أن مقالتي كان ملائماً لهوى أنفسكم وكلام الحق مخالف لهواها، ومر على مذاق النفوس { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } مكافياً فيما صدقتموني { وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } مكافياً في الإحسان فيما أسأت إليكم من كرامة الإنسانية { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } وآمنت بوحدانية الله حين لا ينفع نفساً إيمانها { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وهو الشيطان ومتبعوه من الإنس والجن إن الشيطان وضع الدعوة إلى الباطل من غير موضعه، وأنهم وضعوا الاتباع في غير موضعه.

{ وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [إبراهيم: 23] يشير إلى أن الإنسان إذا خلا إلى طبعه لا يؤمن ولا يعمل الصالحات ولا يدخل الجنة؛ لأنه خلق ظلوماً جهولاً لا كفاراً سفلي الطبع ونفسهلأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [يوسف: 53] وأدخله بفضله في الإيمان والأعمال الصالحة والحسنات { جَنَّاتٍ } القلوب { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } من ماء الحكمة { خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي: لعنايته فإن لم تكن العناية لا يبقى أحد في جنة القلب ساعة، كما لم يبقَ آدم عليه السلام في الجنة خالداً { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } أي: تحية أهل القلوب على أهل القلوب وأهل النفوس سلام فأما على أهل القلوب لسلامة قلوبهم، وأما على أهل النفوس سلام من قلوبهم ليسلموا من شر نفوسهم، كما قال تعالى:وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [الفرقان: 63].

{ أَلَمْ تَرَ } [إبراهيم: 24] ألم تشاهد بنور النبوة يا محمد { كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } مناسباً للاستعداد الإنساني القابل لفيض نور الإلهية دون سائر مخلوقاته بقوله تعالى: { كَلِمَةً طَيِّبَةً } وهي كملة لا إله إلا الله وهي كلمة القديم وصفة وحدانيته وصورة أحديته { كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } وهي شجرة طيبة عن لوث الحدوث مثمرة شواهد أنوار القدم { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } في الحضرة الألوهية فإنها صفة قائمة بذاته تعالى { وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } سماء القلوب.