الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } * { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

{ فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ } [يوسف: 96] من حضرة يوسف القلب إلى يعقوب الروح بقميص أنوار الجمال، { أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً } [يوسف: 96] يشير إلى أن يعقوب الروح كان بصيراً في بدء الفطرة ثم عمي؛ لتعلقه بالدنيا وتصرفه فيها، ثم ارتد بصيراً بوارد من القلب:
وَرَدَ البَشيرُ بِما أَقَرَّ الأعيُنا   وَشَفى النُفوسَ وَهَزَّ غاياتِ المُنى
وفيه إشارة إلى أن القلب في بدء الأمر كان محتاجاً إلى الروح في الاستكمال، فلمَّا كمل وصلح لقبول فيضان الحق بين الإصبعين ونال مملكة الخلافة بمصر القربة في النهاية صارت الروح محتاجاً إليه لاستنارته بأنوار الحق؛ وذلك لأن القلب بمثابة المصابيح في قبول أنوار الإلهية، والروح بمثابة الزيت، فيحتاج المصباح في البداية بالزيت في قبول النار، ولكن الزيت محتاج إلى مصباح وتركيبه في النار ليقبل بواسطته النار، فإن الزيت بلا مصباح وآلاته ليس قابلاً للنار، فافهم جدّاً.

ثم قال: يعني يعقوب الروح لمَّا ارتد بصيراً، { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [يوسف: 96] يا أوصاف البشرية؛ لأنه مخصوص من الله تعالى بنفخته وبالإضافة إلى نفسه تبارك وتعالى بقوله تعالى:وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [الحجر: 29]، { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } [97] فيما فعلنا معك ومع يوسف القلب بالظلومية والجهولية، { قَالَ } [يوسف: 98] يعقوب الروح، { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } بواقعة يوسف القلب حين حضوري مع الله، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ } لمن تاب ورجع إليه، { ٱلرَّحِيمُ } [يوسف: 98] لمن يتوسل إليه بخواصه ومحبته وأوليائه ومقربيه. { فَلَمَّا دَخَلُواْ } [يوسف: 99] يعني: وصلوا الروح وزوجات النفس وأولاده وأوصافه ورفع أبويه على العرش، إذ قال: { آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } [يوسف: 99] ليعلم أن القلب بمثابة العرش وهو على الحقيقة عرش الرحمن، وفي الآية تقديم وتأخير في المعنى تقديرها: { عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } وأنه رفع أبويه على العرش، { وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ } [يوسف: 99] أي: مصر حضرة الملك العزيز، { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } [يوسف: 99] لأن لا يصل إلى حضرته أحد إلا بجذبة مشيئته، { آمِنِينَ } [يوسف: 99] على الانقطاع عن تلك الحضرة الملك العزيز، فإنها منزهة عن الاتصال والانفصال والانقطاع عنها.

{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً } [يوسف: 100] لما رأوه وعرفوا أنه عرش الحق تبارك وتعالى، فالسجدة كانت على الحقيقة لرب العرش لا للعرش، وقال يوسف القلب: { وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } [يوسف: 100] أي: من قبل الوجود أن كنت نائماً بنوم العدم، { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } [يوسف: 100] أي: جعلها في عالم الوجود الحقيقي، { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } [يوسف: 100] أي: من سجن الوجود؛ ولهذا قال: { أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } ولم يقل من الجب البشرية، ونعمة إخراجه من سجن الوجود أو فر من نعمة إخراجه من جب البشرية.

السابقالتالي
2