الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ }

{ قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } [يوسف: 91] أي: اختارك بالطلب والصدق والشوق والمحبة والوصول والوصال، { وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } [يوسف: 91] في الإقبال على استيفاء حظوظ الحيوانية، والإعراض عن حقوق الربانية، { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } [يوسف: 92] يشير إلى أن أوصاف البشرية مجبولة في الهداية على استيفاء حظوظ الحيوانية بصرف القلب والسر والروح، فإذا أدركتها العناية بالجذب، وأذاقها الله من مشارب الروحانية أعرضت عن تلك الحظوظ، وتقبل على تلك المشارب، وتتصرف لصفات القلب يقبلها القلب، ويعفوا عن ما سلف منها في حقه، ويغفر الله تعالى لها ما صدر عنها في البداية؛ لأنه صدر منها ما صدر بحكمة من الله تعالى تربية القلب وإن كان مضراً له في البداية كما كان حال إخوة يوسف مع يوسف أضره صنيعهم في البداية، ولكنه سبب رفعة منزلته ونيل مملكته في النهاية فلذلك { يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ } [يوسف: 92].

وفي قوله: { وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [يوسف: 92] إشارة إلى أنه تعالى أرحم من أن يجزي على عبد من عباده المقبولين أمراً يكون فيه ضر ولعبد آخر في الحال، ويقع نفع في المآل ثم لا يرفعه لاسترضاء الخصم ليعفوا عنه ما جرى منه، ويستغفر له حتى رحمه الله، وأيضاً: إنه تعالى أرحم للعبد المؤمن من والديه وجميع الرحماء.

وفي قوله: { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً } [يوسف: 93] إشارة إلى أن قميص يوسف القلب من ثياب الجنة، وهو كسوة كساه الله تعالى من أنوار جماله إذا ألقى على وجه يعقوب الروح الأعمى يرتد بصيراً، ومن هذا السر أرباب القلوب من المشايخ يلبسون المريدين خرقتهم؛ ليعزه ببركة الخرقة إلى أرواح المريدين فيذهب عنهم العمى التي حصلت من حب الدنيا والتصرف فيها.

وفي قوله: { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } [يوسف: 93] إشارة إلى أن الواجب على أوصاف البشرية إذ وصلوا إلى حضرة القلب أن يأتوه بأهلهم القوى الإنسانية الباطنية، والحواس الخمس الظاهرة { أَجْمَعِينَ } يعني: يتوجهون إلى حضرة القلب، ويعرضون عن النفس وهواها، { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ } أي: غير واردات القلب وهبت نفحات ألطاف الحق، { قَالَ أَبُوهُمْ } يعني: يعقوب الروح، { إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } [يوسف: 94] القلب كما قال:
نسيمُ الصَّبا أهدى إلى نسيمهَا   من بلدةٍ فيها الحبيبُ مقيمُ
{ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } [يوسف: 94] تعيروني بتهمة العشق وقد عيروني { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [يوسف: 95] أي: من العشق، ولا بدَّ للعشاق من اللائم:
يا عاذِلَ العاشِقينَ دَع فِئَةً   أَضَلَّها اللهُ كَيفُ تُرشِدُها