الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } * { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

وفي قوله: { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } [يوسف: 87] إشارة إلى أن الواجب على كل مسلم أن يطلب يوسف قلبه وبنيامين سره، { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } أي: ريحه منهما؛ بل من وجد قلبه وجد فيه ربه؛ إذ هو سبحانه وتعالى متجلٍ لقلوب أولياء المؤمنين وقد وعد الله بوجدانه الطالبين فقال: " ألا من طلبني وجدني " والسر فيه أن طلب الحق تعالى يكون بالقلب لا بالقالب، ووجدانه أيضاً يكون في القلب كما قال موسى عليه السلام: " إلهي أين أجدك؟ قال: أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي " أي: من محبتي.

وفي قوله: { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [يوسف: 87] إشارة إلى أن ترك طلب الله تعالى واليأس من وجدانه كفر، { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } [يوسف: 88] يشير إلى أن إخوة أوصاف البشرية لمَّا وصلوا بسر أحكام الشريعة، وتدبير آداب الطريقة إلى سرادقات حضرة يوسف القلب، وأراد سلطانه في مملكة مصر الملكوت، وشاهدوا منه آثار العزة والجبروت وقد مسهم ضر تعلقات الجسمانية، وتصرفات الدنياوية، وانعدام أقوات الروحانية، وتحقق عندهم احتياجهم لإنعامه وإحسانه، { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا } [يوسف: 88] وهم قوى الإنسانية { ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } [يوسف: 88] في الأعمال البدنية، والأفعال الإنسانية، والسعي في الترقي عن حضيض الحيوانية إلى ذروة كمال الروحانية.

{ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } [يوسف: 88] بإفاضة سجال العوارف الروحانية علينا، وإسباغ ظلال العواطف الربانية لدينا، { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } [يوسف: 88] بإسبال سبحات الإعزاز والإكرام، وإدرار ما شاء من العطاء والإنعام، { إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } [يوسف: 88] بإعطاء الخلق العفو عمَّا سلف كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: " أَنفق أُنفق عليك " ، { قَالَ } [يوسف: 89] يوسف القلب، { هَلْ عَلِمْتُمْ } [يوسف: 89] بأوصاف البشرية، { مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ } [يوسف: 89] القلب أن ألقيتموه في غيابة جب الحيوانية، { وَأَخِيهِ } [يوسف: 89] وبنيامين السر بعدتموه عن يعقوب الروح.

{ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } [يوسف: 89] أي: إذا كنتم على طبيعة الظلومية والجهولية الإنسانية تظلمون على أرباب الروحانية جهلاً منكم، فلمَّا عرفهم ضيفهم به عرفوه، { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ } [يوسف: 90] القلب الذي ما عرفنا قدرك، وأردنا بالجهل إذلالك، وأراد الحق تعالى إعزازك وإكرامك، { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي } [يوسف: 90] وهذا أخي بنيامين السر، { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ } [يوسف: 90] بأن جمعنا شملنا بعد ما فرقتمونا، { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ } [يوسف: 90] عن شهوات الدنيا، { وَيَصْبِرْ } [يوسف: 90] على مجاهدة تركها، وأيضاً من يتق عن غير الله ويصبر على مقاساة شدائد طلبه، { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 90] الذين أحسنوا السعي في الطلب بأن يوصلهم إلى المقصود والمطلوب كما قال: " ألا من طلبني وجدني ".