الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } * { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } * { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }

{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } [يوسف: 68] إلى قضاها؛ يعني: فعلوا ما أمرهم بعقول الروح، فدخلوا من أبواب من أنواع العبودية وإن لم يغني عنهم من دون الله شيء، { إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ } [يوسف: 68] الروح، { قَضَاهَا } [يوسف: 68] وهي امتثال لأمر الحق فيما أمره كما قال: { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } [يوسف: 68] يعني: ما أمرهم بشيء الإيمان علمناه وأمرناه، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } [يوسف: 68] يعني: أرباب الصورة، { لاَ يَعْلَمُونَ } [يوسف: 68] أن ما يجري على خواص العباد إنما هو بوحينا وإلهامنا وتعليمنا فهم لا يعلمون بما نأمرهم، ونحن نفعل ما نشاء بحكمتنا.

{ وَلَمَّا دَخَلُواْ } [يوسف: 69] أي: الأوصاف البشرية ومعهم السر، { عَلَىٰ يُوسُفَ } [يوسف: 69] القلب، { آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } [يوسف: 69] أي: القلب إليه السر لأنه أخوه الحقيقي لمناسبة الروحانية التي اختصا بهما دون إخوانهما الأوصاف، فإنهم يختصون بالبشرية النفسانية، { قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ } [يوسف: 69] إني أخوك الحقيقي، { فَلاَ تَبْتَئِسْ } [يوسف: 69] إن وصلت بي، { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [يوسف: 69] ذلك في مفارقتي؛ وذلك لأن السر مما يكون مفارقاً عن القلب مقارناً للأوصاف يكون محروماً عن كمالات مستعد لها مباشراً للأوصاف ممنوعاً عن المرام خاسراً خائباً.

{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } [يوسف: 70] يعني: القلب لما جهزهم الأوصاف بما يلائم أحوالها، { جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ } [يوسف: 70] وهي مشربه كان منه شربه؛ ليكون شربهما واحد، فإنهما رضعا بلبان واحد، { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [يوسف: 70]، { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } [يوسف: 71]، { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } [يوسف: 72] سرقتم في الأول يوسف وشريتموه بدراهم بخس من متاع الدنيا وشهواتها، وسرقتم في الآخر صواع الملك ومشربته، وما هي بمشاربكم يشير إلى أن من ادَّعى الشرب من مشارب الرجال، وهو طفل بعد أخذ بالسرقة واسترد منه ما نال منها، { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ } إلى { حِمْلُ بَعِيرٍ } فيه إشارة إلى أن من يكون مشاهداً لحمل البعير الذي هو علف الدواب متى يكون مستحقاً لمشربه هي مشارب الملوك، { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } [يوسف: 72] أن من لم يسلم له الشرب من تلك المشارب في حرم عنها لم يحرم عن موانع الحيوانات، فيأكلون كما تأكل الأنعام.