الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } * { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } * { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ }

{ قَالَ } أي: يوسف القلب، { تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً } يشير به إلى أن تربية صفات البشرية السبع بالعادة والطبيعة، وذلك في سني أوان الطفولية قبل البلوغ وظهور العقل وجريان قلم التكلف عليه { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ } [يوسف: 47] أي: فما حصدتم من هذه الصفات عند الكمالية فلا تستعملوه وذروه في أماكنه، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } [يوسف: 47] أي: قليلاً مما تعيشون به وهو بمنزلة الغناء لمصالح قيام القالب إلى أن يبلغوا حد البلاغة، ويظهر نور العقل في مصباح السر عن زجاجة القلب كأنه كوكب دُري { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ } [يوسف: 48] من صفات الروحانية والأخلاق الحميدة.

{ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ } [يوسف: 48] يشير به إلى أن نور العقل إذا أيدناه بتأييد أنوار تكاليف الشرع بعد البلوغ وشرفه بإلهام الحق في إظهار فجور النفس وهو صفات البشرية السبع وتقواها، وهو الاجتناب بالتزكية عن هذه الصفات، والتحلية بصفات الروحانية السبع العجاف قد أكلت السبع السمان، وإنما سمي السبع العجاف؛ لأنها من عالم الأرواح وهو لطيف فسميت العجاف، وصفات البشرية عن عالم الأجسام كثيفات وهو كثيف فسميت السمان، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } [يوسف: 48] أي: لا يبقى من صفات البشرية عند غلبات الصفات الروحانية إلا قليلاً تحصن بها الإنسان حياة قالبه وبقاء صورته.

{ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [يوسف: 49] يشير به إلى أن بعد غلبات صفات الروحانية، واضمحلال صفات البشرية يظهر مقام فيه يتدارك السالك جذبات العناية يتبرأ العبد عن معاملاته، وينجو عن محبة وجوده وحجب أنانيته، وكان حصنه وملجأه الحق تبارك وتعالى { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ } [يوسف: 50] أي: الروح، { ٱئْتُونِي بِهِ } [يوسف: 50] أي: فلمَّا أخبر القلب بنور الله كما رآه الروح في عالم الملكوت وتأويله استحق لقربة الروح وصحبته فاستدعى حضوره، { فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ } [يوسف: 50] وهو النفس، ولاقى رسالة الروح في استحضاره وخلاصه عن سجن صفات البشرية.

{ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } [يوسف: 50] أي: الروح، { فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } [يوسف: 50] يشير بالنسوة إلى الأوصاف الإنسانية، فلمَّا رأين جمال يوسف القلب المنور بنور الله ولهن من حسنه وجماله، وقطعن أيديهن عن الدنيا وملاذها وشهواتها، { إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } [يوسف: 50] أي: بكيد أوصاف الإنسانية في طلب شهوات الدنيا وتبدأ إنما قطعن أيدي طلبهن عنها لما شاهدت كمالات السعادات الأخروية الباقية فآثروها على الدنيا الفانية.