الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

{ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا } [يوسف: 37] يعني: قال الذين يعبدون الله على الرؤية والمشاهدة بقلوب حاضرة عند مولاهموُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22-23]، فكل حكم صدر من تلك الحضرة فهم شاهدوه في الغيب قبل نزوله إلى عالم الشهادة، فكساه القوة المتحلية عند عبوره عليها كسوة خيالية تناسب معناه، تصاحب الرؤيا إن كان عالماً بلسان الخيال فيعتبره وإلا يعرضه على المعبر ليكون ترجماً فأله، فيترجم له لسان الخيال ويخبره عن الحكم الصدر عن الحضرة الإلهية، فلهذا كانت الرؤيا الصالحة جزءاً من أجزاء النبوة؛ لأنه نوع من الوحي الصادر من الله، وتأويل الرؤيا جزءاً أيضاً من أجزاء النبوة؛ لأنه علم لدني يعلمه من يشاء من عباده كما قال يوسف عليه السلام: { ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ } ثم قال: { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } [يوسف: 37] يعني: تركت هذه الملة، { عَلَّمَنِي رَبِّيۤ } وفيه إشارة إلى أن القلب مهما ترك ملة النفس والهوى والطبيعة علمه الله علم الحقيقة، وملتهم أنهم قوم لا يؤمنون بالله؛ لأن النفس تدعي الربوبية كما قال نفس فرعون:أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24] والهوى يدعي الإلهية كما قال تعالى:أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الفرقان: 43] والطبيعة هي التي ضد البشرية.

{ وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ } [يوسف: 38] السر، { وَإِسْحَاقَ } [يوسف: 38] الخفي، { وَيَعْقُوبَ } [يوسف: 38] الروح، وكانت ملتهم التوحيد والمعرفة، وأنهم أرباب الكشوف وأصحاب المشاهدات، { مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } [يوسف: 38] من الأشياء التي هي ما سوى الحق تبارك وتعالى، { ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا } [يوسف: 38] إذا أعطانا هذه الهداية.

{ وَعَلَى ٱلنَّاسِ } [يوسف: 38] يعني: النفس والبدن والأعضاء والجوارح بأن أفضنا عليهم فما أفاض الله علينا، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } [يوسف: 38] يعني: الذين نسوا نعمة الله، { لاَ يَشْكُرُونَ } [يوسف: 38] على نور فضله وكرمه.