الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } * { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }

{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ } [يوسف: 27] زليخاء الدنيا أنها متبوعة { وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } [يوسف: 27]؛ يعني: يوسف القلب، وإن زليخاء الدنيا راودته عن نفسه واتبعته وإنه متبوع، { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } [يوسف: 28] حكم حاكم العقل أن يد تصرف زليخاء الدنيا لا تصل إلى يوسف القلب إلا بواسطة قميص بشريته، { قَالَ إِنَّهُ } [يوسف: 28] أي: تعلق قميص بشرية يوسف القلب.

{ مِن كَيْدِكُنَّ } [يوسف: 28] أي: من كيد الدنيا وشهواتها، { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [يوسف: 28] لا تكن تكيدن في أمر عظيم وهو قطع طريق الوصول إلى الله العظيم على القلب السليم، { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } [يوسف: 29] أي: يا يوسف القلب أعرض عن زليخاء الدنيا، فإن كثرة الذكر تورث المحبة وحب الدنيا رأس كل خطيئة، { وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } [يوسف: 29] أي: استغفر يا زليخاء الدنيا، { إِنَّكِ كُنتِ } [يوسف: 29] بزينتك وشهواتك قاطعة عن طريق الله تعالى على يوسف القلب وأنت في ذلك، { مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } [يوسف: 29] الذين ضلوا عن الطريق وأضلوا كثيراً.

{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } [يوسف: 30] يشير بالنسوة: إلى صفات البشرية النفسانية من البهيمية والسبعية والشيطانية في مدينة الجسد، { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ } [يوسف: 30] وهي الدنيا، { تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ } [يوسف: 30] تطالب عبدها وهو القلب كان عبد الدنيا في البداية لحاجته إليها للتربية، فلمَّا كمل القلب وصفا وصقل عن دنس البشرية استأهل المنظر الإلهي فتجلى له الرب تبارك وتعالى فتنور القلب بنور جماله وجلاله احتاج إليه كل شيء وسجد له حتى الدنيا { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } [يوسف: 30] أي: أحبته الدنيا غاية الحب لما ترى عليه آثار جمال الحق، ولمَّا لم يكن لنسوة صفات البشرية اطلاع على جمال يوسف القلب كن يلمن الدنيا على محبته، فقلن، { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [يوسف: 30]، { فَلَمَّا سَمِعَتْ } [يوسف: 31] أي: زليخاء الدنيا، { بِمَكْرِهِنَّ } [يوسف: 31] في ملامتها، { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } [يوسف: 31] أي: الصفات، { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } [يوسف: 31] أي: تهيأت طعمة مناسبة لكل صفة منها، { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } [يوسف: 31] وهي سكين الذكر، { وَقَالَتِ } [يوسف: 31] زليخاء الدنيا ليوسف القلب، { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } [يوسف: 31] وهو إشارة إلى غلبة أحوال القلب على صفات البشرية.

{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ } [يوسف: 31] أي: وقفن على جماله وكماله، { أَكْبَرْنَهُ } [يوسف: 31] أي: أكبرن جماله أن يكون جمال البشر { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } [يوسف: 31] بسكين الذكر عن تعلق ما سوى الله تعالى، { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً } [يوسف: 31] أي: جماله بشر، { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } [يوسف: 31] ما هذا إلا جمال ملك كريم، وهو الله تعالى بقراءة من قرأ (ملك) بكسر اللام.