الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } * { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ }

{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي: مبلغ كمالية استعداده لقبول فيض الألوهية، { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } أفضنا عليه سجال الحكمة الألوهية والعلم اللدني.

{ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 22] أي: كما أفضنا على القلب ما هو مستحقه من الحكمة والعلم بفضلنا وكرمنا، كذلك نجزي الأعضاء الرئيسية والجوارح؛ إذا أحسنوا الأعمال والأخلاق على قاعدة الشريعة والطريقة خير الجزاء وهو التبليغ إلى مقام الحقيقة.

{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } [يوسف: 23] يشير به إلى أن يوسف القلب وإن بلغ أعلى مراتبه في مقام الحقيقة وفنائه عن صفات الأنانية واستغراقه في بحر صفات اللاهوتية لا تنقطع عنه تصرفات زليخاء الدنيا ما دام هو في بيتها وهو الجسد، فإن الجسد للقلب بيت دنيوي، فالمعنى: إن راودت يوسف القلب زليخاء الدنيا التي يوسف القلب في بيتها أي: في الجسد الدنيوي وعن نفسه؛ لما رأت في نفسه تعلقه بالجسد داعية إلى الاحتظاظ من الحظوظ الدنيوية ليحتظ بها وتحتظ به.

{ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } [يوسف: 23] وهي أبواب أركان الشريعة يعني: إذا فتحت الدنيا على القلب أبواب شهواتها وحظوظها غلقت عليه أبواب الشريعة التي يدخل منها أنوار الرحمة والهداية ونفحات الألطاف والعناية.

{ وَقَالَتْ } [يوسف: 23] أي: الدنيا، { هَيْتَ لَكَ } [يوسف: 23] أقبل إليّ وأعرض عن الحق، { قَالَ } يعني: القلب الفاني عن نفسه الباقي بربه، { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ } [يوسف: 23] أي: عياذي بالله عمَّا سواه، { إِنَّهُ رَبِّيۤ } [يوسف: 23] رباني بلبان ألطاف ربوبيته، { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } [يوسف: 23] مقامي في عالم الحقيقة فلا أعرض عنه، { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } [يوسف: 23] الذين يقبلون إلى الدنيا ويعرضون عن الولي.

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } [يوسف: 24] أي: همت الدنيا بالقلب لما رأت فيه من الحاجة الضرورية للإنسانية إليها، { وَهَمَّ بِهَا } [يوسف: 24] أي: هم القلب بها فوق الحاجة الضرورية إليها لما ركنت النفس الحريصة على الدنيا ولذاتها، { لَوْلاۤ أَن رَّأَى } [يوسف: 24] القلب، { بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف: 24] وهو نور القناعة التي في نتائج نظر العناية إلى قلوب الصادقين، { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ } [يوسف: 24] من القلب بنظر العناية { ٱلسُّوۤءَ } [يوسف: 24] وهو الحرص على الدنيا، { وَٱلْفَحْشَآءَ } [يوسف: 24] وهي تصرف حب الدنيا فيه { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا } [يوسف: 24] لا من عباد الدنيا وغيرها، { ٱلْمُخْلَصِينَ } [يوسف: 24] مما سوانا أي: المخلصين في جنس الوجود المجازي، الموصلين إلى الوجود الحقيقي، وهذا مقام كمالية القلب أن يكون عبداً لله حرّاً عمَّا سواه، فانياً عن أوصاف وجوده، باقياً بأوصاف ربه.

{ وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ } [يوسف: 25] يشير إلى أن يوسف القلب لما رأى برهان ربه وهو نور نظر العناية التي من نتائجها القناعة هرب من زليخاء الدنيا وما يخدع بزينتها وشهواتها اتبعته زليخاء الدنيا واستبقا الباب وهو الموت، فإن الموت باب بين الدنيا والآخرة وكل الناس داخله، فمن خرج من باب دار الدنيا دخل دار الآخرة؛ لأن من مات فقد قامت قيامته، فتعلقت زليخاء الدنيا بيد شهواتها بذيل قميص بشرية يوسف القلب قبل خروجه من باب الموت الحقيقي.

السابقالتالي
2